أكاذيب أم أسرار في “الأرام” و “الأخبار”

Posted on Updated on

النداء - جولة كل أسبوع.
الأحد ١٥ شباط ١٩٥٩

أمين الأعور

يوم أمس، احتفلت الصحافة المصرية، على طريقتها الخاصة، بمناسبة تصديق الحكومة السوفياتية على اتفاقية بناء المرحلة الأولى من السد العالي..

فكتبت “الأهرام” مقالا مطولا، احتل إحدى عشر عمودا من صفحاتها: الأولى والثالثة والثامنة، تحت عنوان “الخطر الأكبر”، أوردت فيه تفاصيل ضافية عن مؤامرة مزعومة حبكتها الصهيونية العالمية، مع دول أوروبا الشرقية، ومنها الاتحاد السوفياتي لترحيل ملايين اليهود إلى إسرائيل، والقضاء على القومية العربية “كذا” مرة واحدة..

ولم تنس “الأهرام” أن تذكرنا بالتطورات الهائلة التي تحصل في أميركا، هذه الأيام، بالنسبة للقومية العربية وضد الصهيونية وإسرائيل، فتقول حرفيا ما يلي:”بيد أن كل هذا النشاط الصهيوني لم يكن يرضى عنه العقلاء في أميركا من اليهود أنفسهم، فأنشأوا “المجلس الأميركي لليهودية” وراحوا يعملون على إبعاد الصهيونية عن نشاطهم، وينبهون يهود أميركا إلى خطورة الصهيونية على مصالحهم الشخصية. وفي المؤتمر الخامس عشر لهذا المجلس، وقد عقد بين 22 يناير الماضي و25 منه بنيويورك، ألقى كلارينس كولمان، رئيس المجلس، خطابا هاما قال فيه: إن الشعب الأميركي بدأ يدرك خطورة اعتبار الدين اليهودي مذهبا قوميا، وإن الصهيونيين راحوا يهددون يهود أميركا بمختلف الوسائل لإرغامهم على مناصرة الصهيونية، وإنهم يحاولون السيطرة على الجاليات اليهودية في مختلف المدن الأميركية بقصد إغراء أفرادها على الهجرة إلى إسرائيل بكل الطرق وشتى الوسائل. وقال كولمن إنه رؤي، لمقاومة هذا النشاط الصهيوني، تأليف مجالس يهودية بكل قرية أو مدينة في أميركا، للتحدث باسم الجاليات اليهودية هناك، حتى لا تترك ثغرة أمام الصهيونيين ينفذون منها إلى تلك الجاليات” – انتهى كلام الأهرام.. وأصبحت أميركا عدوة الصهيونية الأولى وحبيبة القومية العربية، وسندها المتين، أليس هذا ما يريده منطق هذه الفقرة!.

في رأيي إن المقال كله عقد في سبيل تهريب هذه العبارات عن أميركا ضمنه، وتزيين سياستها للعرب.. وفي سبيل شيء آخر، هو: إفساد العلاقات النزيهة، والصداقة الشريفة بين العرب والسوفيات..

أما معلومات الأهرام عن “المؤامرة” فنقول إنها استقتها بعد مجهودات ضخمة قام بها مراسلوها في عواصم الدنيا، ومنها نيويورك.. فمن هو مراسل الأهرام في نيويورك؟. لن نعرفه نحن.. بل إننا نترك أمر تعريفه للسيد “يغيا نجاريان” مؤلف كتاب “عصابة الطاشناق في خدمة الاستعمار” وقد جاء في الصفحة 17 و18 من الكتاب ما يلي حرفيا: “ليفون كاشيشيان: فلسطيني الأصل، كان خلال الحرب الفلسطينية مراسلا لوكالة يونايتد برس انترناشيونال في القدس ثم عين مديرا للوكالة في عمان. اعتقل كاشيشيان في الأردن كجاسوس صهيوني، وحوكم وصدرت بحقه عقوبة الإعدام، وقد خفضت عقوبة الإعدام إلى السجن المؤبد بعد تدخل السفارة البريطانية والمفوضية الأميركية كما إن الجهود التي بذلها جورج ماردكيان والأموال التي أنفقها في هذا السبيل أعطت ثمارها، فأصدر الملك عبد الله عفوا خاصا عن كاشيشيان وخفض عقوبة السجن المؤبد ثانية إلى الطرد النهائي من الأراضي الأردنية توجه كاشيشيان بعد طرده من الأردن إلى بيروت وأجرى اتصالات عديدة مع أسياده المستعمرين الذين أرسلوه إلى نيويورك حيث بدأ يراسل عددا من الصحف العربية والأجنبية منها “الأهرام” بالقاهرة و “النصر” بدمشق “والعمل” في الرباط و “مرمرة” في اسطمبول و “لو سوار” و “أبيك” في بيروت. إن ليفون كاشيشيان عضو في لجنة “تاكيم سيه” الطاشناقية. وعامل بارز في المخابرات الأميركية “أنتيليجانس إيجنس” وعميل مخلص لرؤساء المخابرات الأميركية الصهيونيين. ولكي ينجح في أداء مهامه يظهر نفسه كصديق مخلص للعرب، ليتمكن من التقاط معلومات وافية عن الشؤون العربية وتقديمها لأسياده المستعمرين والصهيونيين. وقد زار كيشيشيان مؤخرا الجمهورية العربية المتحدة برفقة جورج ماردكيان، وجال معه في أقطار الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.انتهى كلام كتاب نجاريان، ولم ننته نحن من التعليق على كلام “الأهرام” ومؤامرتها الكبرى، بل إننا نقول لرئيس تحريرها سيادة محمد حسنين هيكل، إذا كانت كل معلومات مراسليك في العواصم على شاكلة هذه المعلومات وكل مراسليك أنفسهم على شاكلة كاشيشيان فإنك تجعل من صحيفتك حقلا يجني منه العرب الأذى والفساد والإفساد.. لا أكثر ولا أقل..

لقد سبق، يا أستاذ حسنين ونشرت صحف القوميين السوريين في لبنان منذ سنين قليلة، وبالضبط يوم كانت أميركا تتآمر على سوريا، وكان الاتحاد السوفياتي يقف بجانبها، أسرارا كثيرة، وتفصيلات مسهبة عن هجرة دافقة متدفقة من الاتحاد السوفياتي والديمقراطيات الشعبية إلى إسرائيل،وأثير هذا الموضوع يومذاك في أكثر العواصم الغربية، وتناولته الصحف الصائدة في الماء العكر علها تتمكن من نسف الصداقة العربية السوفياتية، ولكن الاتحاد السوفياتي كذب جميع هذه المزاعم ودحضها، وأظهر إنها اختلاقات أشبه بالخرافات، وأقرب إلى الدسائس.

ثم إذا كان الاتحاد السوفياتي يتآمر مع الصهيونية على القومية العربية، فلماذا أوقف العدوان عليكم يا عرب مصر بتهديده الشهير لبريطانيا وفرنسا وإسرائيل، ألم يكن بمقدوره أن يقف مكتوف الأيدي حتى تدخل الدبابات البريطانية مدينة القاهرة وتصبح حدود إسرائيل على محاذاة نهر النيل؟..

وإذا كان الاتحاد السوفياتي عميلا للصهيونية، كما تصوره يا أستاذ حسنين في “الأهرام”، وأميركا هي المكافحة المناضلة ضد الصهيونية.. فلماذا عقد معكم يا عرب مصر صفقة الأسلحة الشهيرة، فصدت دبابات ستالين، دبابات الشيرمان والسانتوريون، وهزمت طائرات الميغ والإليوشن، طائرات الميستير، ألم يكن الغرب وأميركا في رأسه راغبان في أن يبقى السلاح وقفا على إسرائيل، وتبقى البنادق العثمانية وقفا علينا نحن العرب..

إن عملاء الصهيونية هم بالضبط أميركا التي تغذيها بالمال والسلاح، وبريطانيا التي تهديها الغواصات، وفرنسا التي تهديها الطائرات، وألمانيا الغربية التي تغدق عليها التعويضات..

كما إن أصدقاء العرب، وأصدقاءكم أنتم يا عرب مصر، هم الذين أعطوكم السلاح يوم عز السلاح، وأعطوكم القروض الضخمة الطويلة الأمد، يوم حاصركم الغرب وأميركا في رأسه وأراد لكم الجوع، وهم الذين يبنون لكم السد العالي بعد أن رفض دالاس بناءه وتحداكم.. وإن هؤلاء الأصدقاء يا أستاذ حسنين هم السوفيات ودول أوروبا الشرقية الذين تتهمهم الآن بالتآمر على القومية العربية..

أما إذا كان القصد يا أستاذ حسنين، من هذه الحملة على السوفيات، والمديح بأميركا، هو غسل ملابس العم سام وإظهاره نظيفا شريفا أمام العرب، فإنك لن توفق، لأن صابون الدنيا كله لا يزيل بقع دماء عرب الجزائر، وشقاء اللاجئين، عن جبين زعيمة العالم “الحر”.. وإنك بالتالي ستجلب الأوساخ لملابسك فقط، ولن يضام السوفيات، ولن تخدش الصداقة العربية السوفياتية من هذه الحملة المغرضة الجانية..

ولا بد لي من أن أذكرك يا: حسنين بأن الحملة على السوفيات كانت في زمان الملك المخلوع فاروق قوية هائلة في بعض الصحف، وإذا كنت لا تتذكر فاسأل علي أمين ومصطفى أمين ينبآنك الخبر اليقين.. ومع هذا فإن أحد لم ينس بعد، في مصر، أو خارج مصر كيف استقبل الشعب عندكم بحارة قطع أسطول الصيد السوفياتي، وكيف أطلق على غروميكو اسم حبيب العمر، يوم رفعت حكومة النقراشي قضية البلد ضد الإنكليز إلى مجلس الأمن.. وفي هذا، وهو قليل من كثير.. ما يكفي للدلالة على عمق الصداقة العربية السوفياتية ورسوخها في قلوب الجماهير..

أما “أخبار اليوم” فقد اكتشفت هي الأخرى “مؤامرة كبرى” بين الأحزاب الشيوعية وبريطانيا وأميركا وفرنسا وحلف الأطلسي، وحلف النياتو، وحلف بغداد، وإسرائيل، والصهيونية، ضد القومية العربية.. ولن أفند هذه المؤامرة لأن جمهور قراء العربية يعرف كذبها وزيفها من توقيع كاتبها مصطفى أمين، فهو ملك التفشير بلا منازع، في جميع أقطار الشرق الأوسط..

إنما الذي أريد قوله إن مؤامرة مصطفى قد وضعت خصيصا للتعريض بالأستاذ خالد بكداش.. وهذه موضة جديدة، قديمة، درج عليها بعض الصحفيين المصريين.. بقصد إثارة عواطف الكره عند الجماهير في سوريا وغير سوريا، نحو خالد بكداش.. وبصفتي لبنانيا، وصحفيا، وأعرف عن سوريا الشيء الكثير أؤكد لمن يهمهم الأمر في مصر إن الذي يمكنه نشر الكره ضد خالد بكداش في بر الشام هو بالضبط ذلك الذي يستطيع أن ينقل جبل قاسيون من مكانه إلى الربع الخالي.. فإذا كان هذا الشخص موجود.. فليتفضل..

أضف تعليق