عنوان العامود

البيان السوفياتي وهجرة اليهود

Posted on Updated on

بيروت المساء- ببساطة.
الجمعة ٣١ كانون الأول ١٩٧٤

أمين الأعور

رد الاتحاد السوفياتي على الشرط الذي أرفقه الكونغرس الأميركي للإتفاقية التجارية بين البلدين، بتقييد عبارة إعطاء موسكو حق “الدولة الأكثر رعاية” بتهجير اليهود السوفيات الى فلسطين. وأوضحت وكالة تاس “إنها مخولة بأن تعلن إن الأوساط القيادية السوفياتية ترفض رفضا قاطعا كل المحاولات… للتدخل في الشؤون الداخلية التي هي من صلاحية الدولة السوفياتية ولا تعني أي شخص آخر”..

إن هذا البيان ينطوي على أهمية كبيرة. وكان قد سبقه تحرك دبلوماسي آخر حين بعث غروميكو منذ حوالي ستة أسابيع برسالة إلى كيسنجر يحذره فيها من التأويل حول هجرة اليهود، إلى أن يقول له فيها “وإذا كان قد حدث نقاش حول الأرقام، فقد تناول الاتجاه الحالي إلى خفض عدد الراغبين في مغادرة الاتحاد السوفياتي للإقامة في بلدان أخرى”..

إن الفقرة الأخيرة من رسالة غروميكو هذه تدل إن النقاش حول هجرة اليهود السوفيات إلى فلسطين قد حدث فعلا..

وبالنسبة للعرب فإنه من الضروري أن يفهمهم أصدقاءهم السوفيات، ويفهمون إن كل يهودي سوفياتي يصل إلى إسرائيل، سيكون جنديا جديدا في حروب العدوان الإسرائيلي ضدهم. ولهذا فإن أي تذمر عربي، بل وأي احتجاج، حول هذه النقطة، إنما يكون هدفه الأول والأخير نزع هذا اللغم الموقوت الذي إسمه هجرة اليهود السوفيات من أساسات الصداقة العربية السوفياتية..

ثم، ألا ترى جامعة الدول العربية إنه من واجبها التحرك، خاصة بعد البيان السوفياتي الأخير، في اتجاه بدء البحث مع موسكو حول حق العرب في منع هجرة اليهود إلى فلسطين؟..

على طريق تسليح لبنان وتكبير جيشه لمواجهة العدو

Posted on Updated on

بيروت المساء- زاوية حرة.
الجمعة ٣١ كانون الأول ١٩٧٤

أمين الأعور

عندما دعى رئيس وزراء لبنان، الأستاذ رشيد الصلح، إلى عقد اجتماع عربي تقريري، لبحث قضية الدفاع عن الجنوب اللبناني، ردت عليه جريدة “النهار” برسم كاريكاتوري، هو عبارة عن صورة شيك، مدونة فيه أرقام بالملايين، “ليصرف” من “بنك العواطف العربية”..

بذلك الرسم، كانت “النهار”، تعبر عن خلاصة التعصب في الرأي، لدى جملة من المثقفين الإنعزاليين، جابهوا مطلب الاستقلال خلال الحقبة الأخيرة من الانتداب الفرنسي، ثم جابهوا الاستقلال نفسه، برفض الولاء العربي، وبحجة إن استقلال البلد سيقود الى الولاء العربي ذات يوم..

هذه الجملة من المثقفين، كانت تتحلق زمن الانتداب، وبعيده، حول المرحوم الأستاذ أميل أدة، والد العميد ريمون أدة، الذي اضطر الى التخلي عن مقعده في مجلس النواب، تحت وطأة تصاعد الحركة الوطنية، بعد أن ظل يصادمها، حتى عجز عن الصدام، فتنحى..

أما الآن، فهي تتحلق حول العميد ريمون أدة، وتتخذ هي، وهو، من “النهار” منبرا لآرائها، وأفكارها..

والواقع فإن أي تفسير لرد “النهار” على رئيس الوزراء، لا يكون منطقيا، إلا إذا ربطناه بجملة التطورات التي حصلت في لبنان، خلال السنوات العشرين الأخيرة..

منذ عام 1954، حاول كميل شمعون أن يجعل من الأفكار الإنعزالية التي اعتتنقها وعمل في سبيلها المرحوم إميل إدة، أفكارا ذات شعبية، ضمن نطاق معين، فخاض معركة حلف بغداد إلى جانب نوري السعيد كما خاض معركة حلف مشروع إيزنهاور، وكاد أن يحدث شرخا طائفيا، لو لم يتمكن رشيد كرامي وسليمان فرنجية من أن يتحالفا ضد عهد شمعون عندما حمل اللبنانيون السلاح لإسقاط مشروع إيزنهاور ومنع شمعون من التجديد. وهكذا وقفت طرابلس وزغرتا معا في عام 1958. بينما تمكن شمعون من توتير الأجواء الطائفية في بيروت وجبل لبنان. لكن ذلك لم يغن عنه شيئا. فزال حكمه الذي اتسم بمعاداة الثورة العربية وزعيمها جمال عبد الناصر…

وإذا كان ريمون إدة الآن يتزعم مجموعة المثقفين الإنعزاليين، وينادي بإستجلاب بوليس دولي للوقوف على خط الهدنة بين لبنان وإسرائيل، طموحا إلى تحييد لبنان في معركة الأمة العربية ضد العدو. فإن كميل شمعون ما زال قادرا على تزعم رأي عام معين في بعض قرى جبل لبنان، بدأ يتحرك من خلاله في إتجاه مواجهة الحكومة بأشكال متعددة من رفض تحويل البلد إلى بلد مواجهة، طموحا للوصول الى نفس هدف ريمون إدة وهو تحييد لبنان في المعركة العربية الشاملة ضد إسرائيل..

ولعله من تقرير الحقيقة القول إن الشيخ بيار الجميل يتحرك في الإتجاه نفسه، ولكن من خلال التنسيق مع شمعون لا من خلال سياسة مستقلة ينتهجها لنفسه..

هذا الواقع، هل يعني إن لبنان غير قادر على الحركة في إتجاه الدفاع عن نفسه. وإنه مقعد عن المعركة ضد العدو لأن أمراضه الداخلية تمنعه من الوقوف على قدميه، ومن التأهب والإستعداد، ثم التحرك نحو صد العدوان عن نفسه؟..

هذا السؤال يمكن للدولة أن ترد عليه بالنفي، إذا أرادت فعلا أن تكون على مستوى المسؤولية..

فلو ارتعش بشارة الخوري امام منطق اميل ادة، قبل الاستقلال، ولو ادى الارتعاش الى الانحياز ضد الاستقلال، لكان لبنان شهد نفسه أسير محنة القواعد العسكرية الأجنبية، وأسير محنة الاقتتال بين أهاليه.. لكن بشارة الخوري، فهم روح العصر، وفهم إن بعض التجمعات التي كانت تساند إميل إدة فقدت قدرتها على التأثير بمقدار ما تخلت عن منطق العصر وروحه، الأمر الذي جعله يسير في المعركة الاستقلالية حتى النهاية..

واليوم يحاول ريمون إدة، كما بدأ يحاول كميل شمعون، أن يلعب مع سليمان فرنجية، نفس الدور الذي لعبه إميل إدة مع بشارة الخوري، فكما حذر ذاك من ألاستقلال يحذران من مغبة التسلح والاستعداد للمواجهة تحت ستار رفض دخول جيوش عربية الى لبنان..

غير إن الأمر قد تطور، فما ردت به “النهار” على رئيس الوزراء، من أن العرب لن يتحركوا لنجدة لبنان إلا بعواطف سفرائهم في بيروت، لم يكن يعبر عن أية حقيقة، اللهم إلا حقيقة آمال ومطامح الإنعزالية اللبنانية في أن يتخلى العرب عن شقيقهم، حتى لا تضطر الإنعزالية إلى كشف أوراقها..

لكن العرب لم يتخلوا ولا من شيمتهم ذلك، فقد بادرت ليبيا، كما بادر العراق، الى الرد الايجابي على المطالب اللبنانية، فليبيا مستعدة، كما بات معروفا، لتقديم أية كمية من الأسلحة يطلبها لبنان لتنفيذ خططه الدفاعية، والعراق يعرض استعداده. كذلك عرضت الكويت تمويل أية صفقات سلاح يريد لبنان عقدها مع الخارج..

من هنا يتبين، إن الباب بات مفتوحا لتأهيل لبنان للدفاع عن نفسه..

والذي يجب أن يقال هو إن العرب برهنوا على إنهم لا يريدون إحراج الرئيس فرنجية لأنهم يتفهمون الأوضاع اللبنانية جيدا. وقد حدث مثل هذا من قبل خلال معركة دخول لبنان الجامعة العربية، فلم يحرج العرب بشارة الخوري على الإطلاق وتركوه يتدبر أمر دخول الجامعة العربية، فخاض معركة داخلية ليست هينة ضد الانعزالية التي قادها اميل اده في ذلك الوقت..

واليوم يترك العرب، كما هو مفهوم من عروضهم، أو على الأقل، كما توضح المعلومات المتسربة للصحافة عن عروضهم، للرئيس فرنجية أن يتدبر أمر تسليح البلد وتأهيله بحمكته..

فهل تنشب معركة داخلية حول هذا الموضوع؟..

إن ريمون ادة وكميل شمعون يدركان بأن المعركة مع الرئيس فرنجية ليست ممكنة مثلما كانت ممكنة مع بشارة الخوري، ذلك لأن فرنجية إذا صمم على أمر يقدم عليه بفروسية ابن القرية، لا بدبلوماسية ابن المدينة. ومع هذا فما بدر منهما حتى الآن يدل على انهما لن يتركا الرئيس فرنجية يقود معركة تسليح لبنان وتأهيله للدفاع عن نفسه، بيسر وسهولة..

لماذا؟..

لأنهما يعلمان انه اذا قاد فرنجية مثل هذه المعركة ونجح فيها، فإنه سيتحول من رئيس الجمهورية اللبنانية، الى زعيم لبناني، يستطيع اذا اراد ان يتخطى اية عقبة في سبيل التجديد. او اية عقبة في سبيل أن يكون له الرأي المرجح في انتخابات الرئاسة المقبلة..

ومثل هذا يحسب له ادة، كما يحسب شمعون، الف حساب..

على انه لا بد من مناقشة بعض ابعاد المجال الذي انفسح للبنان الآن. فحسبما نعتقد يمكن أن يتقدم الجانب اللبناني، من اشقائه العرب بخطة خمسية أو عشرية لتمويل تطوير الجيش تسليحا وعددا بالشكل الذي يقتضيه العلم العسكري لتغطية الموجبات الدفاعية ضد اسرائيل..

الى جانب هذا يمكن للجانب اللبناني أن يضع خطة مشتركة لحماية الاستعدادات اللبنانية وضمان عدم تعرض الخطة الدفاعية للغدر من قبل اسرائيل، بوضع الطاقات العربية في ميزان الأمور..

أكثر من هذا كله، فإنه باستطاعة الرئيس فرنجية أن يضمن دعما عربيا يغطي نفقات وزارة الدفاع اللبنانية في جميع الحقول، وعلى مدى سنوات طويلة…

وفي هذه المسألة برمتها، ليس أكثر أهمية من حسن النية، ومن التصميم على العمل، ومن إدراك إن آخر الطريق الذي تسلكه الانعزالية سيؤدي إذا اتبع الى ما يسمى الى بقبرصة لبنان، بينما إن آخر الطريق المنوي سلوكه نحو تطبيق الخطة الدفاعية سيؤدي الى امتن وحدة وطنية بين اللبنانيين، وأوثق علاقة أخوية وحميمة بين لبنان وأشقائه العرب..

ولعل الأشهر القادمة ستبرهن عن كيفية الحسم في الاتجاه اللبناني بعد أن بلغت الأوضاع في المنطقة ما بلغته، وبعد أن بدأت كل الإشارات توحي بأن أميركا مستعدة لرمي قفاز كسينجر في وجه جميع الأطراف العربية، وقد كانت البداية المعبرة عن مدى القحة الأميركية في هذا الميدان، هي تلك الصفاقة التي عومل بها الرئيس فرنجية في مطار نيويورك..

لبنان على طريق التحول الى بلد مواجهة ضد العدو

Posted on Updated on

بيروت المساء- زاوية حرة.
الجمعة ٢٠ كانون الأول ١٩٧٤

أمين الأعور

رغم كل الجهود، مرت ستة وعشرون سنة، قبل أن يتمكن الرأي العام الوطني المحلي، والرأي العام القومي العربي، من رؤية لبنان، في موقع مواجهة مع العدو، أو على الأقل، في طريق يتجه نحو ذلك الموقع..

وأساس أسباب ذلك، ثلاثة هي:

  • التراجع الاستراتيجي في السياسة الرسمية اللبنانية، بعد هزيمة العرب في الحرب الأولى عام 1948، واحتلال فلسطين، وإعلان دولة اسرائيل. واعتماد الدبلوماسية اللبنانية مبدأ التسلح بصداقات مع الدول الغربية، والإتكاء على كتف وعود أميركية شبه رسمية بمنع إسرائيل من احتلال جنوبي لبنان.. لقاء تحول لبنان من دولة مواجهة عام 1948، إلى دولة لا مواجهة بعد ذلك التاريخ..
  • التعبير المأساوي الحاد، عن جدية التراجع الاستراتيجي، بالإقدام على فصم عرى الوحدة الاقتصادية مع سوريا، قبيل الخمسينات، بمساعدة بعض الشخصيات الحاكمة في دمشق، وقت ذاك، وعلى رأسها المرحوم خالد العظم. إذ لو بقيت الوحدة الإقتصادية قائمة بين البلدين لما أمكن أن يستمر التراجع ويترسخ على النحو الذي جرى فيه..
  • انطلاق عهد كميل شمعون، من خطوة التراجع هذه، الى محاولة هدم جميع الجسور بين لبنان والعرب، وفتح ملف محاولة جعل لبنان مجرد دولة تدور في فلك الأحلاف الغربية، وتخضع لموجبات مناطق النفوذ الأميركي. وقد ساهم الدكتور شارل مالك في تصميم سياسة تلك المرحلة التي أسفرت عن انشطار حاد في الرأي العام اللبناني، كاد يتحول الى فتنة طائفية تزهق استقلال البلد..

هذه الأسباب الثلاثة قاومها الرأي العام الوطني، مقاومة متصاعدة. فما قصر عن ولوج مختلف دروب استنكار فك الوحدة الاقتصادية مع سوريا. ولا قصر عن ولوج مختلف سبل مقاومة عهد كميل شمعون، حتى إن وجود عبد الناصر كزعيم للأمة العربية جعل النهوض الوطني المحلي في لبنان يصل حد حمل السلاح ضد إدخال البلد في حلف مشروع ايزنهاور، والقتال ضد ذلك الحلف حتى آخر لحظة من عهد كميل شمعون الذي انتهى بإعتلاء المرحوم فؤاد شهاب سدة الرئاسة، وتجميد الموافقة اللبنانية على دخول الحلف المذكور..

غير ان عهد فؤاد شهاب الذي اتسم بالإنفراج الداخلي، وبتطعيم الإدارة بمؤسسات ذات قوانين عصرية، ولم يتسم بالتصميم على انهاء خطوة التراجع الاستراتيجي فيما يتعلق بالموقف من مواجهة اسرائيل، فظل لبنان خارج اطار دول المواجهة، مع إن له دورا بفعل حدوده المشتركة مع فلسطين..

لكن أولى خلايا العمل الفدائي بدأت تتغلغل في المخيمات الفلسطينية في لبنان على عهده.. ثم نمى العمل الفدائي في المخيمات بعد نهاية ولاية فؤاد شهاب، وبدء ولاية شارل حلو، وبدء التصادم الحاد بين الموقف اللبناني الرسمي المتراجع عن مواجهة العدو، والعمل الفدائي الفلسطيني المصمم على المواجهة. وكان هذا التصادم قد ظل مخفيا عن الأعين في أواخر العهد الشهابي..

ولم يكتشف شارل حلو، ومن يسانده، عمق الجماهير التي تؤيد العمل الفدائي في لبنان، وقدرتها على التأثير حتى اصطدم برئيس الوزراء، رشيد كرامي، الذي استقال من منصبه بعد إطلاق النار الشهير على جماهير المتظاهرين المؤيدة للعمل الفدائي، ووصول البلد الى ازمة حكم بحيث استمر الرئيس شارل حلو ستة أشهر يحاول عبثا تأليف وزارة تحكم البلد..

تلك الأزمة الشهيرة عالجها عبد الناصر شخصيا بإقتراح إتفاقات القاهرة بين لبنان الرسمي والعمل الفدائي، بحيث بات البلد ارضا يمكن فيه للفلسطينيين ان يتحركوا بما يضمن لهم الانطلاق لمواجهة العدو..

منذ ذلك التاريخ، بدأت خطوة التراجع الاستراتيجي عن مواجهة العدو تهتز تحت اثقال شدة التعارض بين زخم العمل الفدائي، وزخم التعلق الجماهيري الوطني اللبناني به، وموجبات سياسات الدولة المتعلقة بالمحافظة على خطوة التراجع عن المواجهة..

وقد انتهى عهد شارل حلو، وسط دوامة مسلسل الأحداث هذا، ووسط معالجة الأمر بالمسكنات، لأن الرئيس حلو، على غزارة ثقافته وعلمه، لم يبرهن على مقدرة في اختراق السياسات التقليدية، لا الى الامام ولا الى الوراء، فكان عهده عهد المسكنات في جميع الحقول..

مع مطلع عهد الرئيس الحالي سليمان فرنجية، كنا من المتوجسين بمقدار ما كان التصاق ريمون ادة، وكميل شمعون، وجريدة “النهار”، مكينا بالعهد، فهؤلاء السادة، عندما يضاف اليهم صائب سلام، يشكلون رمزا لتكرار محاولات تكريس خطوة التراجع الاستراتيجي عن المواجهة، والتكريس لم يعد ممكنا، الا بالعمل على اقفال فرص المواجهة امام المقاومة..

ومع إن الأشهر الأولى للعهد اتسمت ببروز فضيحة روتشيلد – النهار – وبالاستغناء عن خدمات غسان التويني الوزارية. الا إن شدة التصاق ريمون ادة وكميل شمعون بالعهد، واستمرار صائب سلام في كرسي رئاسة الوزارة، ظل يرسل في رأينا اشارات الخطر، وقد وقع المحذور فعلا فكان الصدام الرسمي مع العمل الفدائي تحت ستار وزارة الدكتور أمين الحافظ..

ذاك الصدام كان موضع مكاشفة محلية وعربية مع لبنان الرسمي بحيث أسفر الأمر عن حقيقة ان هذا البلد اما أن يحافظ على كيانه واستقلاله بالاتجاه نحو مواجهة العدو دفاعا عن حدوده، واما أن يواجه المجهول وهو يقف أمام مخاطر حرب أهلية فادحة الثمن على جميع أبنائه..

بالطبع السياسة الاميركية في الشرق الأوسط، كانت تريد للبنان أن يستمر في مواجهة الفدائيين وفي المواجهة الداخلية. وأصدقاء السياسة الأميركية كانوا يحرضون على ذلك ويشتهونه في السر وفي العلن. هنا بدأ في لبنان شيء جديد. فقد انفتقت العروة الوثقى التي كانت تشد التصاق ريمون ادة بالعهد. وبدأ ينفتق ما يشد شمعون اليه، غير إن هذا الأخير لم يسفر عن معارضته، وعالج الأمر بالدهاء المشهور عنه، عاضا على الجرح، منتظرا فرصة الإنقضاض..

هذا الشيء الجديد، أخذت له السياسة الأميركية الحيطة اللازمة فجمعت عيدانها الديبلوماسية واختارت أشرسها وأصلبها، وأكثرها خبرة وتجربة، وأوفدته إلى بيروت سفيرا للولايات المتحدة، وهو المستر غودلي..

وهنا بدأت الصراعات الخفية. ومثل هذه الصراعات تتخذ في لبنان الف طابع وطابع بينما المطلوب نتيجة واحدة. فقد دخل البلد مخاض التحول، فإما دولة مواجهة ضد العدو، وإما العكس. والمستر غودلي جاء ليعمل على توليد العكس. وكلنا يذكر كيف كان البلد يغلي طوال العام الماضي وبعض العام الحالي بقعقعة السلاح، وكأنه على وشك الانفجار..

لكن الواقع برهن إن الرئيس فرنجية كان يرفض المخاطرة، ويعمل ضمن نطاق تسليم الأمانة كاملة دون انتقاص من استقلال البلد، ودون تعريض كيانه لصيرورة أشبه بمأساة قبرص..

عند هذه النقطة كان لا بد لجهود المستر غودلي أن تصاب بالشلل. وقد حدث الشلل فعلا. فلم يضع غودلي دقيقة من وقته، بل راح يتفنن، مع اصدقائه في بيروت بأساليب تناول سمعة الرئيس فرنجية، حتى وصل الأمر حد التصريح العلني في مجلس النواب على لسان النائب ريمون أدة بأن “هذا عهد الحشيش”. فأخذت “النهار” هذا التعبير ورفعته بالخط العريض عنوانا رئيسيا لصفحتها الأولى. في حين إن “النهار” عبرت عن التصاقها بالعهد في مطلعه بأن “هذا عهد الصوت الواحد، الذي هو صوت الله” فتأمل!!..

كذلك جرت محاولة تهريب المنطق الى خارج حلبة الأزمة اللبنانية الأميركية، بقول ريمون إدة ان المسألة وما فيها هي “ان العائلة المالكة” انزعجت لأن غودلي رافق ادة في زيارة الى الجنوب ليطلع شخصيا على ما فعله السلاح الأميركي الذي زودت به إسرائيل بالقرى والدساكر اللبنانية..

هذا الكلام لا يمكن أن يقبله عقل، فإذا كان ثمة من عائلة مالكة في لبنان لزمام مبادرات التزمت والابتعاد عن العرب، فهي عائلة ادة قبل غيرها من العائلات اللبنانية جميعا. فالمسألة في هذه العائلة مسألة إرث وتراث يتجدد من جيل الى جيل..

والأزمة مع أميركا هي ازمة أن يبقى لبنان متماسكا بكيانه الحالي من خلال التقدم نحو أخذ دوره الموضوعي في مواجهة اسرائيل، أم لا. وقد عبر رئيس الجمهورية سليمان فرنجية عن هذه الحقيقة حين اتهم أقوال أدة من دون أن يسميه بالانسجام مع مصلحة العدو..

لكن الأمر تعدى كل محاولات تهريب المنطق حين ظهرت حقائق الأشياء على ضوء الغارة الاسرائيلية على ضواحي بيروت. فقد تبين إن التردد الذي ساد طوال ست وعشرين سنة بموجب خطوة التراجع الاستراتيجي للسياسة الرسمية اللبنانية، فقد جرت تجربة تجاوزه بنجاح، فصبت مدفعية الجيش المضادة للطيران نيرانها على الطائرات المغيرة بعزم ونخوة. وشاهد سكان جبل لبنان الطائرات اللبنانية تسرع من فوق الجبل الى سماء العاصمة. فكان هذا الى جانب صواريخ الفدائيين مدعاة فشل الغارة من ناحية، ومدعاة إفهام إسرائيل والسياسة الأميركية من ورائها إنه من الممكن أن يقف لبنان الرسمي على المفترق، فيتجه نحو المواجهة اتجاها فيه مقادير من الجدية تفتح آفاقا جديدة للصراع في المنطقة..

الى هنا ويأتي دور الأشقاء العرب، وعلى الأخص الأطراف الثورية العربية..

والذي أعتقده إن هذا الموقف يصح له أن ينطلق من الثقة بكلمة الرئيس فرنجية. فالرجل فيه من فروسية القرية ما يجعل كلمته تحمل معاني الجدية المتوخات. فإذا ما اتجه نحو المواجهة، كما هو ملاحظ من قرائن الأمور، فإن اليد العربية المخلصة يجب أن تمتد اليه بكل ما يطلبه لهذا البلد من عون، بالمال والسلاح والرجال، أو بتمويل خطة دفاعية، أو بأي شيء من هذا القبيل..

وفي حال حدوث أي تردد، يكون التردد في صالح “المقاومات الأرضية” الشرسة داخل النظام اللبناني، وعلى هامشه، التي تعارض الاتجاه بالبلد نحو التحول الى بلد مواجهة ضد إسرائيل..

ولست أظن إنه يخفى على أحد من الثوريين العرب، بأن لأميركا انيابا حادة في لبنان، وأضراسا نهمة مكينة المواقع.. وكل هذه الأنياب والأضراس بدأت تتحرك في فحيح على مستوى الشارع، وعلى مستوى الصالونات، لتنتقد الرئيس فرنجية ضمن نطاق قطاع معين من الرأي العام، ولتقول فيه أشياء كثيرة من التي يعبر عنها النائب ريمون ادة والنائب صائب سلام..

ومثل هذه الأقوال لا يمكن أن تؤثر في أعصاب رجل كسليمان فرنجية، لكن عدم مواجهتها، بإعطاء الرئيس اللبناني فرصة البرهنة على إنه قادر على سد الثغرات الدفاعية بمساندة عربية اخوية خالصة مخلصة لا تنشد إلا أن يأخذ لبنان دوره في مواجهة العدو خلال هذه الحقبة الدقيقة من تاريخ العرب، ستعطي الأنياب والأضراس فرصة العمر في العمل على تحويل عهد فرنجية إلى ظاهرة ذاتية تنتهي بنهاية الولاية بعد عشرين شهرا، وتعود كلاسيكية خطوة التراجع الاستراتيجية الى ممارسة دورها، فيعود البلد الى دوامة مخاطر الصراع المسلح بين أهاليه..

من ناحية ثانية، فإن الرأي العام الوطني في لبنان بجميع أطرافه، مطالب بدعم تحويل البلد الى دولة مواجهة، بل وبالضغط في سبيل ذلك، لأن النضال الإجتماعي في لبنان بالذات، يبقى محدود المعاني والأهداف والقدرة والقيمة، إذا لم يقترن بالنضال القومي في سبيل وضع الدولة على طريق التغيير من دولة النوم عن المواجهة، الى دولة الاستيقاظ لها..

ولعلنا سنلمس في هذا الشتاء البارد، خطى لبنانية حارة نحو مواجهة العدو، إذا حدثت سيكون للرئيس اللبناني شأن عربي وعالمي مميز. وسيكون له دور في لبنان بالذات، أوسع وأرحب من الدور المحدد بانتهاء الولاية في عام 76. فالخروج من خطوة التراجع الاستراتيجي، هو كالخروج من مدار الى مدار، يخلق قواعد جديدة لحسابات السياسات اللبنانية الداخلية، وقد يحدث أن يطلب الشعب اللبناني بأوسع جماهيره أن يستمر فرنجية على رأس الدولة ليكمل تأهيل البلد لمواجهة العدو، اذا تبين للشعب إن خطة دفاعية قد وضعت قيد التنفيذ. وإن سنوات التراجع الست والعشرين قد دخلت في ذمة التاريخ الى غير رجعة..

الأمير السنوسي وتهريب الحشيش

ما هي صفة الأمير عبد الله السنوسي الذي ضبط في مطار بيروت يهرب كمية كبيرة من حشيشة الكيف الى مصر؟..

إن المسألة مأساوية فعلا. فهذا المهرب يتمتع بحقوق اللاجئ السياسي في مصر. ويضلع في الحرب الباردة التي تشن من القاهرة على ثورة الفاتح في طرابلس، كما يضلع حسب معلومات عدة مصادر بالتآمر على الجمهورية العربية الليبية..

فهل تتعض القاهرة بعد حادث مطار بيروت، وتدرك إن تشجيع مثل هذه الحثالات من الرجعيين بالولادة، ومن الشذاذ بالطبع والتطبع، لا يعود بالخير على مصر قبل أي اعتبار آخر؟..

فشل سياسة الثقة بأميركا وضرورة التغيير الاستراتيجي في مصر

منذ ثلاثة أشهر والحيرة ظاهرة على تحركات الدبلوماسية المصرية. فالثقة التي منحتها هذه الدبلوماسية للسياسة الأميركية في المنطقة، بعد الحرب الرابعة، ثبت انها في غير محلها، بالنسبة للذين منحوها. أما الذين انتقدوها فكانوا يدركون سلفا إنها عبارة عن تجربة فاشلة، ستحاول أميركا استغلالها لإدخال المنطقة في حالة لا حرب ولا سلم جديدة…

قد ركزت الدبلوماسية المصرية على افتراض إن الحرب الرابعة قد أحدثت متغيرات في سياسة أميركا بات بالإستطاعة معها أن تضغط أميركا على اسرائيل الى درجة تجعلها ترضخ للانسحاب الى حدود مصر الدولية، فيقع الصلح…

هذا الافتراض ثبت الآن بالتجربة عدم صحته. وكان من المنتظر أن تكون شجاعة في الاعتراف بخطأ الافتراض المذكور، والعودة الى سياسة متماسكة واضحة تبعث الثقة في النفوس.. ولكن الذي حدث هو إن الدبلوماسية المصرية دخلت في دوامة الحيرة بعد فشل الثقة بأميركا. ثم بدأت تتكتك انطلاقا من افتراض جديد هو انه بالإمكان الضغط على أميركا كي تحقق وعود كيسنجر العرقوبية..

وهذا الافتراض الجديد، سيجعل الخطأ مركبا لأنه سيتسم بالترنح اليومي ذات اليمين وذات اليسار، أو بالمراوحة في المكان نفسه..

لكن السؤال جائز عن كيفية خطوط الضغط على أميركا؟..

والذي يبدو حتى الآن، هو إن التلميح لأميركا عبر تحركات معينة عن إمكانيات تلطيف الأجواء بين مصر وليبيا. وعن امكانيات اعادة فتح الأقنية بين القاهرة وموسكو. وعن امكانيات كثيرة اخرى، يقصد منه ما يسميه الغربيون تقوية موقف الدبلوماسية المصرية في المساومة مع واشنطن، حول الحل السلمي لمسألة سحب إسرائيل إلى حدود مصر الدولية…

إن افتراض الضغط هذا، بات دون مستوى المسألة بكثير لماذا؟:

لأن أميركا بعد أن عالجت القاهرة بالمسكنات الكيسنجرية طوال عام وبعض العام..

وبعد أن عبأت هذا الوقت كله بإرساليات الأسلحة التي بلغت أثمانها آلاف ملايين الدولارات…

وبعد أن أخذت إسرائيل هذا الوقت لإستيعاب السلاح…

بعد هذا كله كشرت أميركا عن أنيابها، وانطلقت في حرب باردة ضد العرب الى درجة إن التهديدات بإحتلال منابع النفط العربي، صارت الخبز اليومي الأكثر سخونة للصحف الأميركية وللصالونات السياسية شبه الرسمية في واشنطن…

بعد هذه الموجة بدأت إسرائيل تتخذ تدابير الحرب الوقائية…

ردا على هذا كله، صعدت الدبلوماسية المصرية إفتراضات ضغطها بتصريح اسماعيل فهمي عن شروط للسلام هي منع هجرة اليهود إلى إسرائيل لمدة نصف قرن. والإنسحاب الإسرائيلي الى داخل حدود التقسيم..

ومن العجيب إن الرد الإسرائيلي على تصريحات اسماعيل فهمي هذه جاء بالقول على لسان أهارون ياريف بأنه يكاد لا يصدق بأن مثل هذا التصريح صادر عن السيد فهمي؟…

لماذا؟..

إذا شئنا المصارحة، فمن واجبنا القول إن موقف الديبلوماسية المصرية، لم يتسم بعد بالحزم الذي تقتضيه موجبات المرحلة..

كيف؟:

لقد كان في رأينا، من أول واجبات الدبلوماسية المصرية، أن ترد على حملة الحرب الباردة التي وصلت حد تهديد دول عربية بالإحتلال العسكري، بإلغاء زيارة الرئيس السادات لأميركا فورا، وإيقاف الاتصالات مع الدبلوماسية الأميركية حول مقترحات الحلول الجزئية. والتصريح علانية بأن من يريد التباحث مع العرب فاليتفضل، على الأقل مثلا إلى جنيف ..

فهل يحدث هذا في الوقت المناسب، أم إن الدبلوماسية المصرية سوف لا تفكر به إلا بعد فوات الأوان؟..

لبنان والدعوة لمؤتمر عربي

Posted on Updated on

بيروت المساء- ببساطة.
الجمعة ٢٠ كانون الأول ١٩٧٤

أمين الأعور

مهما تكن الظروف، لا يصح لأية جهة عربية يهمها فعلا تحرير فلسطين، أن تتلقى دعوة لبنان لمؤتمر البحث في مسألة الدفاع عن الأراضي اللبنانية، الا بالأذن الصاغية، والجدية التامة، والعقل المفتوح. فهذه الدعوة تعني إن فتح ملف الدفاع عن الجنوب، هو فتح ملف الدفاع عن المقاومة الفلسطينية. فالجنوب هو المقاومة، والمقاومة هي الجنوب. فإذا سقط هذا ضعفت تلك، وإذا ضعفت تلك خفت أهمية هذا. وهذه ميزة المرحلة الحالية من تاريخ القضية الفلسطينية..

المهم، المهم، أن تغطي لبنان، شبكة صاروخية للدفاع الجوي، وبعد ذلك يكون اسم الصاروخ “كروتال” او “سام”، ليس في مستوى أهمية وجود الشبكة..

والمهم، المهم، أن يزود لبنان بطائرات قادرة على تغطية أجوائه وبعد ذلك يكون اسم الطائرة “ميراج” أو “ميغ” ليس في مستوى أهمية وجود اسطول جوي حقيقي..

وقس على ذلك بالنسبة للمدرعات والمدافع واسلحة الجنود الفردية..

إن في لبنان جيشا، رغم قلة عدده، فهو حسن التدريب ممتاز الإنضباط، وبإستطاعته أن يكون نواة دفاعية قادرة على استيعاب التطور، قادرة على التنسيق الدقيق مع القوات العربية التي قد تدعو الحاجة لتواجدها على الاراضي اللبناني..

لقد أحسن دولة رشيد الصلح في الدعوة الى مؤتمر عربي تقريري، بحيث يكون تحول لبنان الى دولة مواجهة، عملا جماعيا لبنانيا وعربيا..

ولعلنا لا نزعج احدا إذا قلنا إن الجدية وحدها هي التي يمكن أن تصل بنا الى الهدف. فإذا تحقق تحول لبنان لدولة مواجهة حقيقية يكون العرب قد كسبوا لقضية فلسطين نصرا عسكريا وسياسيا واجتماعيا هاما ومؤثرا الى الحد الأقصى، حتى في نتائج الحرب الخامسة المنتظرة…

التحركات الإسرائيلية في بيروت

Posted on Updated on

بيروت المساء- زاوية حرة .
الجمعة ١٣ كانون الأول ١٩٧٤

أمين الأعور

إذا كان من المهم، في قضية ضرب منظمة التحرير الفلسطينية بالصواريخ، معرفة تفاصيل العملية بحد ذاتها، بدقة تامة. فمن الأهم بمراحل تنفيذ فكرة التعاون بين الأجهزة اللبنانية، والأجهزة الفلسطينية، في سبيل سد الثغرات إلى بيروت، على المخابرات الإسرائيلية..

وإذا شئنا الارتفاع الى مستوى جدية المعركة الخفية ضد إسرائيل، وجب التذكير، بأن الدول العربية جميعا بغير استثناء، مطالبة بالمساهمة بشكل أو بآخر، مع الأجهزة اللبنانية والفلسطينية، في هذا المضمار..

صحيح إن المسألة في منتهى الصعوبة، لكن الأصح إنها ليست مستحيلة. فقد سبق للأجهزة اللبنانية أن اكتشفت، على التوالي، عددا من الشبكات الإسرائيلية، في الجنوب، وفي بيروت، خلال مدد متفاوتة..

هذه المرة لم يأت شيء على بغتة. فالحكومة الإسرائيلية صرحت علانية في الأسابيع الأخيرة، إنها عازمة على ملاحقة الفدائيين اينما كانوا. وكان يصح منذ لحظة صدور التصريح أن يصار الى اتصالات بين جميع الأجهزة العربية لتنسيق العمل على إحباط ما هو منتظر من عمليات اسرائيلية في هذه العاصمة العربية أو تلك..

وإذا شئنا أن نتذكر ما يجب تذكره، نجد إن رحلة بن ناتان إلى بيروت، يمكن أن تكون قد استهدفت تطمين عناصر المخابرات الإسرائيلية، الى أن دخول العاصمة اللبنانية، والتجول فيها، خارج عن أعين المراقبة، مسألة ممكنة. لكن الذي ما زال سؤالا بغير جواب، هو عرض صور بن ناتان على الجمهور. فلماذا صور بن ناتان؟ ثم لماذا أبعد عن البلد دون أن يحاكم، فتعرف الجهة التي ينتمي اليها، وتعرف الجهة التي كانت وراء تسلله الى لبنان؟..

لقد لعبت العناية دورها، فلم يسفر ضرب المنظمة بالصواريخ عن أضرار في الأرواح. ولكن إذا بقيت بيروت هكذا، كلها ثغرات أمام مخابرات العدو، فمن يمكنه القول إن عمليات أخرى مستحيلة الحدوث، وإن صواريخ العدو لن تصيب إلا الزجاج والحجارة فقط؟..

مشروع أميركي لتمرير إسرائيل في قناة السويس ونزع سلاح القناة من يد قضية فلسطين

Posted on Updated on

بيروت المساء- زاوية حرة.
الجمعة ١٣ كانون الأول ١٩٧٤

أمين الأعور

هناك نشاط دبلوماسي كبير، يدور بالسر تارة، وبنصف العلانية تارة أخرى، منذ أسابيع، حول قضية فتح قناة السويس، بعد أن شارفت المرحلة الأخيرة، من تنظيفها وتطهيرها، على الانتهاء..

أما أسس هذا النشاط، فيبدو إنها وضعت، في ما قيل إنها أشياء سرية، تم عليها الإتفاق، خلال زيارة كيسنجر الأولى للقاهرة، حيث أرفقت هذه الأشياء السرية بأسس فك الإرتباط التي لم يعلن منها كما يبدو إلا ما يناسب المقام..

الان، بدأت تلك الأسس تطل برؤوسها في إخراج متقن شديد الخطورة. خاصة بعد أن أعلن

بيغال آلون أثر مقابلته لهنري كيسنجر في واشنطن، بأن من الممكن أن تقدم إسرائيل على انسحاب جديد من سيناء، “دون أن تطلب شيئا مقابلا من مصر”…

هذا التصريح كان قد سبقه منذ اسبوع، تصريح أدلى به الوزير الإسرائيلي في تل أبيب، وأشار فيه الى أن البضائع الاسرائيلية ستمر في قناة السويس على مراكب الدول الأخرى. أما الأعلام الإسرائيلية فسيكون مرورها في القناة وقفا على التسوية النهائية لقضية الشرق الأوسط..

وإذا علمنا إن قوانين البحار تيسر للصهاينة تسجيل مراكب صهيونية في دول أخرى، ورفع أعلام تلك الدول عليها، تبين لنا إن ما يمكن تسميته بمشروع كيسنجر لفتح قناة السويس، إنما هو في واقعه مشروع لتخليص سلاح قناة السويس من يد الأمة العربية في صراعها ضد الصهيونية العالمية حول قضية فلسطين..

لقد وضعنا أمام قراء “بيروت المساء” طوال الأسابيع الماضية ما كنا نلامسه من علامات حول مسألة فتح القناة..

أما اليوم، فلا بد من العودة إلى ربط جملة من الخيوط، لعلنا نساهم في توضيح الموقف، ولو من زاوية الرؤيا الصحافية لما تسلل من مرئيات نفذت من خلال ذلك الدهليز المظلم الذي اسمه سياسة كيسنجر السرية ضد القومية العربية..

إن المسألة بدأت في اعتماد الدبلوماسية الاميركية لاستراتيجية العمل على تنحية دور مصر القومي من الساحة العربية، وعلى الأخص من القضية الفلسطينية، بعد رحيل عبد الناصر.. وقد تبدى نجاح أميركا في هذا المجال، من خلال مظهرين، هما:

  1. تنسيق تنحية كبار الناصريين عن السلطة، كمظاهرة “صادفت” زيارة وزير خارجية أميركا السابق مستر روجرز لمصر..
  2. تنسيق تنحية اتفاق الوحدة بين مصر وليبيا، ومحاولة تنحية دور مصر الوحدوي، على الصعيد العربي كله، كمظاهرة “صادفت” تولي هنري كيسنجر للخارجية الأميركية، وبدء وضع خططه في الشرق الأوسط موضع العمل..

على إن هذا كله، كان مقدمة، بدأت تترى صفحات ما يليها بسرعة، ثم ببطئ، بعد الحرب الرابعة..

  • لقد قامت الحرب الرابعة بالتنسيق الدقيق بين سوريا ومصر، وفجأة توقف اطلاق النار، بإنفراد مصر في اتخاذ القرار..
  • كان الكلام عن التماسك العربي حول حل شامل، فجاء التحرك الأولي نحو الحل، بإنفراد القاهرة في فك الارتباط مع العدو..
  • ظهرت مسألة جديدة في استراتيجية الدبلوماسية المصرية، هي شعار الحل على أساس انسحاب اسرائيل الى حدود مصر الدولية..
  • ظهرت بوادر موقف رسمي مصري فاتر مع المقاومة الفلسطينية، رافقها موقف تجنيد الرجعية الليبية ضد الثورة العربية في ليبيا. وتوجت هذه المرحلة ببيان الإسكندرية الذي أظهر الإنحياز الى جانب الملك حسين ضد المقاومة..
  • زادت المقاومة العربية لهذا النحو في سياسة مصر، فانتقدت المقاومة الفلسطينية بيان الاسكندرية مباشرة وعلانية، وانتقدت سوريا البيان بإتخاذ موقف الى جانب المقاومة، فجاء الأمر بشكل نقد غير مباشر، شديد التعبير، للسياسة المصرية..
  • عنفت سياسة مصر في عتاب المقاومة، ورافقت ذلك بخلق توتر بينها وبين ليبيا الى درجة ظهرت معها احتمالات صدام غير مستبعد من الحسابات..
  • حدة هذا الموقف “صادف” أن كسرته قضية سقوط الرئيس نيكسون عن عرش رئاسة الولايات المتحدة. فبدت الاستراتيجية الأميركية وكأنها بحاجة لفترة استجماع قوة واسترداد أنفاس..

“صادف” ذلك تراجع السياسة المصرية المدعومة جيدا بالسياسة السعودية خطوة عريضة الى الوراء، ابتلعت معها بيان الاسكندرية وأعادت وصل الأقنية مع المقاومة. كما أرخت القبضة التي كانت قد رفعتها في وجه الثورة العربية على الحدود الليبية، وبدأت تنشد حوارا مع طرابلس الغرب حول ميثاق حسن جوار..

  • في هذه المرحلة الجديدة امتد تراجع الخطوة الى مؤتمر الرباط حيث ساهمت سياسة مصر في الاعتراف بمنظمة التحرير كممثل وحيد وشرعي للشعب الفلسطيني. كما وافقت، مع التصفيق بكلتا اليدين، على اعتراف الأمم المتحدة بمنظمة التحرير..

لكن السؤال الذي بقي بدون جواب هو سبب تفاؤل كيسنجر بعد زيارته الأخيرة للقاهرة، وسبب تصريحه المعبر عن إن السعودية باركت مسعاه..

فما هو هذا المسعى؟..

إنه أخذ حاجة أوروبا والإتحاد السوفياتي ودول الخليج العربي، والسعودية بالذات، الى فتح قناة السويس أمام الملاحة، وإيجاد المنفذ الذي يخرق جدار المقاطعة العربية لإسرائيل، فيكسر أهم أسلحة هذه المقاطعة وأقواها، وهو منع الملاحة الإسرائيلية في القناة، ومنع مرور البضائع من وإلى إسرائيل، تحت أي علم كان من أعلام الدول، كبيرها وصغيرها..

اليوم يبدو جليا، بأن كيسنجر كان ينسق مع اسرائيل حول هذه النقطة تنسيقا دقيقا..

كيف؟:

  • لقد أفتى كيسنجر بعد الحرب مباشرة، بسياسة “الحل على مراحل”..
  • أفتت غولدا مايير بنفس الفتوى، وساهمت فيها باتفاق فصل القوات..
  • كرس اسحق رابين في بيانه الوزاري، حين خلف غولدا مايير، هذه الفتوى، بشعاره المشهور، وهو فتح امكانيات الصلح والسلام مع مصر..
  • بدأت المناورة خلال زيارة كيسنجر الأخيرة حين قال بإمكانية انسحاب اسرائيلي جديد من سيناء..
  • ردت اسرائيل بأن الانسحاب يجب أن يكون على أساس تعهد مصر علانية بإنهاء حالة الحرب مع إسرائيل..
  • ردت مصر بأن ذلك التعهد يجب أن يأتي من خلال حل شامل للقضية برمتها. وإن الإنسحاب الجديد ممكن كعمل عسكري لمزيد من الفصل بين القوات، على أن يشمل الانسحاب حقول نفط سيناء..
  • هنا حبكت مناورة كيسنجر، فوصلت ذروتها. والذي يبدو إنه أفتى بمرور البضائع الاسرائيلية عبر القناة على مراكب لا ترفع أعلام اسرائيلية مقابل إعادة نفط سيناء إلى مصر..

حول هذه النقطة هناك ملاحظات تتعلق بما أعقب قمة فلاديفوستك بين الرئيسين الأميركي والسوفياتي فورد وبريجنيف. فقد لاحظنا إن الكونغرس الأميركي خفف من لهجة مطالبة الاتحاد السوفياتي اباحة هجرة اليهود إلى إسرائيل. ومع هاتين الملاحظتين جاء خبر امتناع “1700” يهودي سوفياتي وصلوا اوروبا من السفر إلى إسرائيل ومطالبتهم بالسفر الى أميركا أو غيرها من البلدان الغربية. فكم هو عدد اليهود السوفيات الذين وصلوا أوروبا حتى يمتنع منهم مثل هذا المجموع عن السفر إلى اسرائيل؟ وكم هو عدد اليهود الذين سافروا الى اسرائيل يا ترى؟..

وماذا جرى في فلاديفوستوك حول مسألة فتح قناة السويس؟..

إن الاتحاد السوفياتي مهتم جدا بفتح قناة السويس للملاحة، وهذا حقه..

وليس المطلوب من موسكو أن تكون ضد مرور البضائع الإسرائيلية في القناة، أكثر من القاهرة، وهذا صحيح..

ولكن ماذا يبقى من دور غير نظري لمصر في قضية فلسطين، اذا نفذ مشروع كيسنجر ومرت البضائع الاسرائيلية في القناة، وخرق طوق المقاطعة العربية على هذا النحو الرهيب؟.. يوم فك الارتباط، حذرنا في “بيروت المساء” من سير الحكم في مصر نحو الصلح المنفرد مع اسرائيل. فقامت علينا القيامة حتى في بعض اوساط المقاومة. وقيل اننا نشكك، واننا نحاول ضرب التضامن العربي و.. و.. و…

واليوم، نحذر ونذكر لعل الذكرى تنفع المؤمنين، بأنه اذا مرت خطة كيسنجر لفتح قناة السويس، يكون الحكم في مصر قد سار اطول خطوات الصلح المنفرد وأعقدها وأدقها دون اعلان رسمي. ويفاجأ العرب بعد فتح القناة بتقلص دور مصر في قضية فلسطين الى حجم نظري محض. وبذلك تنفرد اسرائيل بالجبهة الشمالية، وتنفرد بالمقاومة، وتتمكن من جعل التوازن العسكري يسير لصالحها الى سنوات عديدة مقبلة..

ما العمل إزاء هذا كله؟:

  • المقاومة مدعوة لتحرك استيضاحي سريع وفاعل يستهدف عرقلة خطة كيسنجر..
  • الجامعة العربية، مدعوة لتحرك استيضاحي حول مصير المقاطعة العربية لإسرائيل ومدى تمسك والتزام الحكم في مصر بها..
  • جبهة الرفض مدعوة لحملة ضغط في سبيل إحباط مشروع كيسنجر لتمرير إسرائيل تحت اعلام دول أخرى في القناة..
  • الثورة العربية مدعوة لكشف ما تحت يدها من معلومات في هذا السياق أمام جماهير الشعب العربي في كل مكان، وإيصال هذه المعلومات إلى الجماهير العربية المصرية..

لماذا هذه الدعوة للتحرر؟..

لأنه إذا خسر العرب سلاح القناة في قضية فلسطين، تكون الأمة العربية قد انتصرت على أميركا واسرائيل في الأمم المتحدة وعلى مختلف الأصعدة الدولية في هذه الحقبة، وتكون أميركا وإسرائيل قد ردتا الصاع صاعين فانتصرتا على الأمة العربية في عقر دارها ففتحتا قناة السويس أمام اسرائيل فتحا غير مباشر لكنه فتحا مبينا، يمهد لسحب دور مصر الكبير في الصراع إلى خارج حلبة المصارعة..

 

العمليات الإسرائيلية والعمليات الفلسطينية

التوقيت والأسلوب والمستوى الذي نفذت به عمليتا ضرب مركز الأبحاث الفلسطيني ومكتب منظمة التحرير الفلسطينية، تدل على إن اسرائيل ما تزال تعيش مرحلة رد الفعل النفسي على الانتصارات السياسية المهمة التي حققتها القضية الفلسطينية على صعيد العمل العربي، والمجتمع الدولي معا..

فعندما تكون ذروة التخطيط الانتقامي هي زرع قواعد صواريخ على ظهر سيارتين تقفان في أرض بور، وعندما يكون الزجاج المحطم والكتب المبعثرة هو حصيلة هذه العملية، التي استغلت كل امكانات التفلت في هذا البلد الى آخر مدى، فمعنى ذلك إن أيد مرتعشة ونفوسا متوترة هي التي تخطط لهذا العمل، وأيد رخيصة هي التي تنفذه…

هل نتحدث عن ضرورة المزيد من الحيطة والحذر حول المواقع الفلسطينية المنتشرة بكثرة في لبنان؟..

هناك حديث أهم عن ضرورة نشر المقارنة – عالميا طبعا – بين العمليات الفلسطينية التي ينفذها ثوار يجودون بأرواحهم، والعمليات الإسرائيلية التي لا يجدون للقيام بها سوى عملاء يبيعون الوطن في سبيل حفنة من القروش… فبين هذه العمليات وتلك يمكن للعالم – الذي بدأ يفتح عيونه قليلا – أن يعرف الصاحب الحقيقي لفلسطين..

 

القمة الثلاثية والقمة الرباعية

أكدت بعض المصادر إن اقتراح قمة ثلاثية بين القذافي والسادات والنميري، هو قيد البحث في هذه الآونة..

كما أكدت مصادر أخرى إن اقتراح قمة رباعية بين سوريا ومصر والأردن والمقاومة، هو قيد البحث كذلك..

والذي نعتقده، إنه إذا عقدت القمتان فإن أهم ما يجب أن يوضع على بساط البحث، ليس جدول الأعمال، بقدر ما هو موضوع فتح قناة السويس. فإذا ما تمكن القذافي أن يأخذ ضمانة من القمة الثلاثية بعدم السماح للبضائع الإسرائيلية بالمرور في القناة، تحت أية أعلام كانت، يكون قد حقق نصرا على خطة كيسنجر لفتح القناة..

وإذا ما تمكنت سوريا والمقاومة أن تأخذا ضمانة حول الموضوع نفسه من القمة الرباعية تسجلان نصرا على مشروع كيسنجر لتقليص دور مصر في قضية فلسطين وفي التضامن العربي معا..

ولعل الوقوف في وجه مشروع كيسنجر هذا ليس صعبا إذا اخذت المبادرة باكرا. أما اذا فاتنا القطار فستكون المسألة أعقد..

 

صراع عائلة مالكة عربية

تتحدث صالونات العاصمة اللبنانية، هذه الأيام، عن صراع حاد بين أفراد عائلة مالكة عربية..

ويقال إن مغامرا عربيا ورد اسمه في انتخابات رئيس دولة عظمى نحي على أثر فضيحة كبيرة، له ضلع في توتير هذا الصراع..

كما يقال إن صاحب مطبوعة انقلب على عبد الناصر بعد عام 1967، بات طرفا في هذا الصراع، بعد أن اختصم مع المغامر العربي على صفقة كبيرة لقاء دور يعين للمطبوعة المذكورة في الصراع المذكور..

ويقال إن الصراع وصل إلى حد صدور إرادة سرية بالتعتيم على أمراء، وإبراز أمراء آخرين، في الإعلام الرسمي والإعلام الخاص، في أكثر من عاصمة عربية واحدة..

كما يقال إن صاحب المطبوعة المعني هدد علانية بإثارة تفاصيل خبر نشرته إحدى المطبوعات الأوروبية عن أمير ورد اسمه في لائحة المطلوب التعتيم عليهم، إذا لم يبادر المغامر العربي في تغطية الصفقة على النحو الذي اقترحه صاحب المطبوعة على المغامر..

ويقال إن هذا كله له علاقة بمستقبل الحكم الذي يدور حوله الصراع في العائلة العربية المالكة..

كذلك يقال إن مبالغ خيالية بدأت ترصد من أطراف العائلة المختلفة لتصرف على هذا الصراع..

فتأمل!..

لو إن مثل هذه المبالغ رصدت لضرب الدعاية الصهيونية في بلد صديق مثل فرنسا، لأمكن خلق توازن إعلامي عربي مقابل الإعلام المعادي..

لكن مثل هذه الخطوة تحتاج الى أفهام ثورية قومية، فأين مثل هذه الأفهام، من مثل هذه الصراعات؟..

 

انتخابات النبطية

تمكنت حكومة رشيد الصلح من تحقيق الحياد في انتخابات النبطية الفرعية، فأمكن لئتلاف  عائلات الزين وشاهين وعسيران أن تنتصر من خلال زعاماتها التقليدية، على زعامة كامل الأسعد الأكثر تقليدية ورسوخا، على نطاق محافظة الجنوب كلها..

فهل أمكن لهذا الانتصار أن يزعزع قواعد الزعامة الأسعدية بالنسبة للانتخابات العامة المقبلة؟..

هذا ما ستبينه الأشهر الثلاثة القادمة التي تفصل البلد عن بدء مرحلة الاستعداد للانتخابات النيابية العامة المنتظرة..

أما اليسار اللبناني الذي خاض معركة النبطية فقد فعل كل ما في وسعه ليكرس عدم قدرته على الائتلاف، ومواهبه المتعددة في تكريس الفرقة بين أطرافه وتكريس الانشطار..

بقي الرد على السؤال الكبير عما يمكن أن يجنيه الجنوب من كل الذي حدث..

فهل سيجني البدء في تنفيذ مشروع الليطاني لري الأرض البعلية؟..

هل سيجني البدء في تحصين الحدود، ومقاومة الاعتداءات الاسرائيلية؟..

هل سيجني عدم اخضاع زراعة الدخان للاجازة المسبقة التي يتحكم فيها آل الأسعد وآل عسيران وآل الزين وآل شاهين جميعا دون أن يختلفوا عليها مهما اختلفوا حول النيابة والوزارة؟..

هل سيجني الجنوب تحسين شبكة المواصلات، وإكمال شبكة المدارس، وتنفيذ شبكة المستوصفات الطبية؟..

هل سيجني الجنوب بدء مرحلة عدم نزوح أبنائه عنه بسبب ضيق سبل العيش واقتران هذا الضيق بضغط الاعتداءات الاسرائيلية؟..

إن الجواب على كل هذه الأسئلة غير وارد الان، لأن الحكومة مشغولة بتقبل التهاني على انتصارها في تأمين الحياد خلال يوم الانتخابات..

واتحاد عائلات شاهين والزين وعسيران مشغول بانتصاره على كامل الأسعد في هذه الجولة الانتخابية الفرعية..

واليسار مشغول بتقييم زيادة أصوات “مضر على تميم” في النتائج النهائية لحساب أصوات المقترعين..

أما مياه الليطاني فهي مستمرة في التدفق في البحر، لا نحو ري الأراضي البعلية..

وأما إجازات زرع الدخان فهي دافئة في جيوب أصحابها لا يقلقها شيء..

كذلك فإن مزيدا من الفلاحين يستعد لحمل ملابسه وأغطيته والهجرة من الجنوب لأي مكان..

قبرص بين مكاريوس وإسرائيل

Posted on Updated on

بيروت المساء- زاوية حرة.
الجمعة ٦ كانون الأول ١٩٧٤

أمين الأعور

قبل أن نسأل كيف يعود مكاريوس إلى قبرص، ولماذا يعود، علينا، كعرب، أن نفهم جيدا جدا، بأن عودته تفقد نصف قيمتها بالنسبة لقضية فلسطين، إذا لم يأخذ الجانب العربي المبادرة بكل جدية، فيتوسط بين نيقوسيا وأنقرة، ويعمل بلا كلل حتى يتمكن من إنهاء النزاع بالشكل الذي يجب أن ينتهي فيه..

وقبل أن نتساءل كيف ولماذا على الجانب العربي بالذات أن يتدخل ويتوسط، علينا أن نستذكر مع القراء كيف حدث الإنقلاب على مكاريوس ولماذا حدث، وما هي التطورات التي أدت إلى قراره بالعودة؟..

لم يعد ثمة من شك عند أحد بأن المخابرات الأميركية هي التي حبكت مؤامرة الإنقلاب، وهي التي مولتها..

وإذا كان هناك بين اليونانيين، سواء في اليونان، أم في قبرص، من كان مخدوعا، قبل الإنقلاب، بإمكانية الوحدة بين نيقوسيا وأثينا دون تقسيم الجزيرة، ودون توحيد الجزء الذي يسكنه الأتراك منها، مع تركيا، فإنه لا يوجد اليوم أي يوناني لا يفهم هذه الحقيقة، خاصة في الجزيرة التي دفع اليونانيون فيها ثمن الإنقلاب غاليا جدا..

لقد كانت العناصر اليمينية في قبرص وفي اليونان تتصور، بناء على الهمس الأميركي، بأن أميركا تضمن عدم تدخل تركيا، وإن الوحدة لا تحتاج إلا إزاحة مكاريوس، ثم تعلن وسط الأفراح والليالي الملاح..

على هذا حقد الجنرال غريفاس على مكاريوس حقدا أسود، ثم تسلل إلى الجزيرة، وظل يعمل على إغتياله حتى مات. فتابع أنصاره صلاتهم بأميركا، وعداءهم لمكاريوس، حتى نظمتهم المخابرات الأميركية في مؤامرة الإنقلاب فنفذوها وكان ما كان..

وكانت المسألة في منتهى الدقة، فأنصار غريفاس كانت لهم في مصارعة الإنكليز ضمن إطار منظمة إيوكا أرصدة كبيرة على الصعيد الشعبي، فاستنزفوا منها الكثير خلال صراعهم ضد مكاريوس، لكن بعض الأوساط الشعبية إن في الجزيرة أو في اليونان ظلت تعتبرهم أناسا مقاتلين ضد الإستعمار، وشد ما كانت دهشة هذه الأوساط عندما تبين لها بالتجربة المرة إن الإنقلاب كان من أقذر المؤامرات الإستعمارية وأكثرها أذية..

قد يقال إن قرار عودة مكاريوس جاء نتيجة مساومة دولية اشتركت فيها عشرات الدول. وقد يقال إن مكاريوس أعطى أميركا هذا الوعد أو ذاك، وأعطى بريطانيا هذه الضمانة أو تلك. لكن جميع هذه الأقوال تصبح بغير جدوى إذا عرف الجانب العربي كيف يدخل موضوعيا في المسألة وكيف يبني إقتراحاته إنطلاقا من واقع الحال الماثل داخل الجزيرة بصرف النظر عن الإتفاقات الدولية التي بنيت المساومة الدولية على أساسها، ووضعت المقترحات والوعود بناء عليها..

إن هناك في قبرص ثلاث إمتيازات هي:

  1. القواعد العسكرية البريطانية..
  2. القوات المسلحة اليونانية..
  3. القوات المسلحة التركية..

وقد حدث الإنقلاب في سبيل تحقيق شهوة أميركا بإقامة إمتياز رابع هو: إقامة قواعد عسكرية أميركية برية وبحرية وجوية جاهزة للتدخل في حال تردي وضع إسرائيل العسكري في أية حرب مفترضة مع العرب..

والذي حدث بعد هذا الفشل المزري الذي حل بالإنقلاب وبأفكار الإنقلابيين، هو أن النفسية الشعبية اليونانية في الجزيرة باتت ناضجة لتقبل الإستقلال التام للجزيرة دون وحدة مع أحد، وناضجة كذلك لهضم مسألة حقوق الأقلية التركية في الحكم الذاتي الذي يتخذ الطابع اللازم موضوعيا لضمان الهدوء النفسي عند أتراك الجزيرة بحيث يستطيعون الإنطلاق باتجاه ترسيخ استقلال الجزيرة دون محاذرة من احتمالات طغيان الأكثرية على الأقلية بأي شكل من الأشكال..

من هنا يستطيع الجانب العربي أن يتدخل كوسيط بين مكاريوس وأنقرة تحت شعارات محددة تنادي بجلاء جميع الجيوش اليونانية والتركية والبريطانية عن الجزيرة، وتنادي بمشروع حكم ذاتي أو مشروع إتحادي يأخذ الشكل اللازم من الأشكال الإتحادية التي تصون وحدة الدولة ومركزيتها من ناحيتي الدفاع والخارجية، وتصون حقوق الولايتين التركية والقبرصية صيانة جدية منصوص عليها في دستور جديد للجزيرة تصوغه جمعية تأسيسية جديدة، أو لجنة دستورية أو ما إلى ذلك..

مثل هذا المدخل العربي في قضية قبرص عملية في منتهى الجدية والخطورة، ذلك لأنه إذا شعر مكاريوس بعزلته عن العرب، واشتدت الضغوط عليه من كل جانب، فقد يطاح به مرة ثانية، أو قد يضطر للتنحي. فأميركا تناصبه العداء وتعتبره السد الذي منع عنها امتلاك قواعد مخصصة لمصلحة إسرائيل، منذ استقلال قبرص حتى الآن..

والمخططات الأميركية الإسرائيلية في الشرق الأوسط تعتبر مسألة قبرص بالنسبة لها مسألة إستراتيجية في منتهى الأهمية. وربما كانت الصهيونية العالمية في هذه الحقبة بالذات تعتبر إن الإنتصار في تقسيم قبرص والتملص من مكاريوس كحاكم لها، موضوع يتعلق مباشرة في تنمية إمكانات بقاء إسرائيل أو إضعاف هذه الإمكانات..

على هذا يحق القول بأن الثورة العربية هي المؤهلة لتفهم ودراسة قضية قبرص..

والحال إن القذافي كان في مستوى المسألة تماما، وقد تصرف بصمت ودراية تامتين خلال الأزمة بجميع مراحلها، مما جعل له وضعا مميزا بالنسبة للأطراف الثلاثة الرئيسية: مكاريوس، والأتراك، واليونانيين، إن في الجزيرة أو خارجها..

فهل يكون في مقدور الثورة العربية بعد هذا، أن تدخل كوسيط يأخذ واقع الحال بعين الاعتبار، ولا يعير التفاتا إلى الإتفاقات والصكوك الدولية التي برهنت الأزمة إنها باتت متخلفة وغير قادرة على الإسهام في أي حل جذري لمسألة الجزيرة؟..

اعتقد إنه سيكون للثورة العربية القدرة على نيل شرف قصب السبق في إبعاد الحبال الأميركية الإسرائيلية عن عنق الجزيرة التي يؤثر مصيرها في مصائر أهداف القومية العربية وحقوقها وأمانيها ومبادئ ثورتها..

 

آخر تطورات الأزمة اللبنانية الأميركية

يقال إن هناك مساع حثيثة لحصر الأزمة الدبلوماسية بين لبنان وأميركا ضمن نطاق معين، ثم تفريغها بحيث تصبح مسألة لبنانية داخلية بحجة إن سياسيا لبنانيا لم ينشر اسمه، وإن لمح اليه، هو الذي وشى لدى أصدقائه الأميركيين بأن الوفد اللبناني إلى الأمم المتحدة سيكون بين حقائبه حقيبة فيها مخدرات.. ثم إنه هو الذي استخدم صداقاته مع شخصيات أميركية للإصرار على شم حقائب الوفد بواسطة الكلاب البوليسية..

مثل هذا الكلام لو كان صحيحا، لصح معه القول بأن أميركا تأتي بسياساتها تجاه الدول الأخرى، من عواطف أصدقائها الشخصية في هذه الدول الأخرى، ضد أخصامهم السياسيين!…

فهل هذا معقول؟..

طبعا إنه غير معقول، وغير مقبول عقلانيا ومنطقيا.. فالأزمة نتجت عن خلفيات سياسية محددة تتعلق جملة وتفصيلا بالمهمة التي حددتها الخارجية الأميركية لسفيرها غودلي في لبنان قبل أن توفده، ثم أوفدته على أساسها..

هذه المهمة القائمة على إشعال نار الحرب الأهلية في لبنان، وضرب العمل الفدائي فيه، والتي تحدثت فيها الصحف والأوساط طويلا مع مجيء غودلي إلى بيروت، أحبطت حتى الان بعدم تجاوب العهد مع السياسة الأميركية في هذا الميدان..

وكنتيجة تعبيرية عن الغضب الأميركي الناتج عن فشل غودلي هذا، كانت المظاهرة الأميركية الكريهة الرائحة ضد الوفد اللبناني في مطار نيويورك..

إذن نحن أمام قضية محددة، لا يؤثر فيها، إلا من ناحية الشكل، أن يكون لسياسي لبناني ضلع فيها، أو لأكثر من سياسي واحد. ذلك لأن ألف سياسي من وزن وحجم السياسي المقصود لا يزيل شعرة من رأس السياسة الأميركية، ولا ينبت شعرة..

بالطبع نحن لا نطمح بالنسبة للبنان الرسمي إلى قطيعة مع أميركا أو ما شابه ذلك، بل نطمح إلى فعل الممكن الموضوعي وهو رفض عودة غودلي إلى بيروت تحت أي إعتبار، لأن عودته ستعطي البرهان على إن في قدرة أميركا أن تسيء إلى كرامة البلد، وتتلافى العقاب، وإن لم تكن قادرة على تلافي التشهير..

إلى جانب هذا، لا بد من إظهار العجب عندما نكتشف لقاء المتضادات في صالونات العاصمة بين تحليلات بعض فلاسفة اليسار المتطرف، وبعض فلاسفة اليمين المتطرف. إذ إن فلاسفة اليسار المعين هذا اعتبروا إن المسألة وما فيها نابعة من حرص أميركا على النظام، ومن النصح الأميركي الذي لم يسمع بعدم توزير الاستاذ طوني فرنجية، وقد أدى عدم سماع النصح إلى غضب أميركي جرى التعبير عنه بهذا التصرف…

بالمقابل فإن فلاسفة اليمين المعين أولئك راحوا ينتقدون تصرف العهد في إثارة الموضوع مدعين إن مثل هذه الإثارة تعرض النظام للخطر.. ثم.. مزكين أقوال فلاسفة اليسار بأن النصح وعدم قبول النصح هما الأساس..

مثل هذا اللقاء بين المتضادات ماذا يعني؟:

ببساطة شديدة، يعني إن هناك محاولة لتهريب الموضوع عن طريق المنطق السليم كي يمكن لفلفته دون تخديش السفير الأميركي غودلي دعما لمساعي إعادته إلى بيروت..

والحال إن قضية زوال النظام اللبناني الراهن، ليست مطروحة عمليا في هذه الحقبة. فخريطة القوة الفعلية للقوى السياسية المتعارضة في البلد. وخريطة القوة الفعلية للوضع الإقتصادي، ومقارنة ذلك بالخريطة الإجتماعية لا توحي بأن النظام على وشك السقوط من أيدي أصحابه، ولا توحي بأن النظام البديل على وشك النهوض إلى السدة مع أيدي أصحابه، ومثل هذا الكلام لا يعني إننا نقول رأيا لمصلحة النظام أو ضد مصلحته. فلذلك مجالات أخرى غير هذا المجال، بل يعني إننا نصف حالة النظام الآن بالدقة التي تمكننا منها زوايا الرؤيا الصحفية المنظورة المتوفرة لنا..

على هذا نكرر مطالبتنا المحددة من العهد وهي تنطلق بضرورة الإصرار على عدم عودة السفير الأميركي غودلي الى لبنان، وهذا ما يشكل التتمة الموضوعية لموقف الحفاظ على كرامة البلد التي تعرضت للخدش في مطار نيويورك..

 

في الدمام قمة أم لا قمة؟

كثر الأخذ والرد حول موضوع “قمة خليجية” في الدمام تعقد بزعامة الدبلوماسية السعودية، وتدعى اليها دولة الإمارات، والكويت، وقطر والبحرين، وبقية الإمارات والسلطنات. وقد أسفر الأمر مؤخرا عن قمة مصغرة بين السعودية وقطر والبحرين ودولة الإمارات، في حين اعتذرت الكويت وبقية أقطار الخليج، بعضها لأسباب صحية وبعضها لأسباب أخرى..

إن المسألة لها خلفية معينة تعود إلى وقت غير قصير، فالصحف الأميركية والبريطانية، والأندية السياسية في عواصم دول الخليج وإماراته وسلطناته، كانت تتحدث عن مشروع لحلف خليجي بزعامة السعودية، قيد الطبخ والإعداد..

وكانت الملاحظات حول مثل هذه الخطوة، تتركز في سؤال هو: حلف مع من وضد من في الخليج العربي؟..

إما الجواب فلم يكن عسيرا لأن المخاطر على عروبة الخليج ليست مخاطر سرية. فعلى صعيد المنطقة بالذات يبدو الخطر الإيراني ماثلا للعيان، فإيران تدعي إن الخليج فارسيا وليس عربيا. وعليه فقد احتلت بالقوة المسلحة ثلاث جزر عربية خليجية وتحاول أن تتسرب إلى المنطقة كلها حتى الكويت، في حين تناصب العراق العداء وتحاول استنزافه كبلد عربي فيه إمكانيات القوة، بالعمل على إثارة حرب عصابات دائمة فيه بواسطة مجموعات عشائرية من الأقلية الكردية..

وعلى الصعيد العالمي، تتحدث الصحف الأميركية يوميا عن خطط لاحتلال الكويت وبقية المناطق النفطية في الخليج دون أن تأخذ بعين الإعتبار إنها تهدد دولا مستقلة لها مقومات عضوية الأمم المتحدة وهي تزامل الولايات المتحدة في هذه العضوية..

إذن فمصادر الخطر على الخليج ظاهرة غير مخفية، ومن المفترض أن يكون أي حلف مقترح قد أخذ هذه الحقائق بعين الإعتبار وصمم أهدافه على أساس إنه تجمع دفاعي ضد الخطرين الإيراني والأميركي..

مثل هذا الجواب المنطقي كان غير وارد بالمرة عندما يجري الحديث حول الحلف، لأن العراق مستبعد منه سلفا، ولأن اليمنين مستبعدان كذلك..

لهذا كان السؤال الآخر حول هل مثل هذا الحلف مكرس لعزل العراق من ناحية واليمنين من ناحية ثانية، ومواجهة الخطر الإيراني والخطر الأميركي بغرس الرؤوس في الرمال من ناحية ثالثة؟..

هذا السؤال معلل مسبب. فالسعودية ليست مرشحة لإقامة توازن عسكري مع إيران يحمي عروبة الخليج، وكذلك بقية المناطق الخليجية..

وعملية التعبير بحلف مثل هذا عن الحياد بين العراق وإيران. أو حتى عن محاولة الإنعزال عن العراق وإيران معا، لا يمكن أن تأتي نتيجتها إلا في صالح إيران من ناحية، وفي صالح أميركا من ناحية ثانية..

إن التحركات حول هذه الأفكار المريضة التي تزعمتها الدبلوماسية السعودية، كان لا بد وأن تفشل لأنها منطلقة من مساومات تتناقض مع واقع الحال وتحاول شده إلى الوراء..

 

نقابة الصحافة ونقابة المحررين والأزمة مع أميركا

هل يجب تطوير التعبير حول الأزمة مع أميركا أم لا؟…

هذا السؤال طرحت رأيي فيه ببرقية موحدة النص إلى نقيب الصحافة اللبنانية الاستاذ رياض طه، وإلى نقيب المحررين الاستاذ ملحم كرم:

لجانب نقيب الصحافة اللبنانية الاستاذ رياض طه المحترم
لجانب نقيب المحررين الاستاذ ملحم كرم المحترم

أقترح عليكم دعوة مجلس النقابة لاتخاذ قرار بشجب التصرف الأميركي البشع الذي مس الكرامة القومية العربية عامة، والكرامة الوطنية اللبنانية خاصة، في التصدي للوفد اللبناني بمطار نيويورك على النحو الذي جرى به، وتقبلوا تحياتي:

أمين الأعور

لماذا البرقية؟…

لأنني أعتقد إنه ضمن طاقة النقيبين، إذا أرادا، أن يطورا التعبير حول الأزمة بالجدية والرصانة اللازمتين بحيث يناشدان نقابات الصحافة ونقابات العمال، والمجموعات النقابية الأخرى، على صعيد الوطن العربي كله أن تحذو حذو نقابتي الصحافة في لبنان في اتخاذ قرارات الشجب والاستنكار. ولست اتصور ان اية نقابة او هيئة يمكن ان تتخلف لحظة عن القيام بالواجب. وبذلك تجابه أميركا حملة استنكار لتصرفها ضد الوفد اللبناني، من موريتانيا الى العراق، ومن السودان الى اليمن..

مثل هذه الحملة هي التي يمكن أن تلقن أميركا درسا لا تنساه، يجعلها تفكر باستمرار ألف مرة قبل أن تقدم على محاولة المس برئيس عربي، لبنانيا كان أم غير لبناني..

فعسى أن يفكر الاستاذان طه وكرم الى أخذ المسألة بكلتا اليدين..

 

مسرحية الشاطر حسن

في مسرحية الشاطر حسن تميز نبيه أبو الحسن، بطل المسرحية، باندماج في الدور، وفي الإداء، نادر المثال. فلا حركة مفتعلة، ولا نبرة مستعلية. ولا خطوة مشوشة. الأمر الذي يثبت تكرارا أصالة هذا الممثل الكبير، وتواضعه الذي يمكنه دائما من تطوير قدراته..

غير إن النص المسرحي الذي وضعه الكاتب انطوان غندور، مع تميزه بالزخم والتمكن من التعبير، جاء مترنحا يحاول رفض كل شيء وأي شيء، من الأزل، وإلى الأبد، ضمن قالب فكاهي عليه مسحة من الجدية، لو مثله غير نبيه أبو الحسن، لانكشفت فيه جملة من الأشياء التي يمكن أن تسمى معايب أو مقاتل..

إلى جانب هذا، فقد كنا نتصور إن التصدي للتراث العربي بالسلبية والتشويه والهدم، كان غلطة مكررة في مسرحيات الرحابنة جذبهم اليها سعيد عقل بسوء نية منه، وحسن نية منهم، لكن لجوء الاستاذ انطوان غندور الى الاسلوب نفسه، على أضخم، يجعلنا أمام ضرورة التنبيه الى أن هذه الظاهرة في المسرح اللبناني ليست ظاهرة صحية، بل ظاهرة مرضية..

إن إبراز هارون الرشيد على النحو المزري الذي أظهر به في المسرحية، هو مثل أن يأتي كاتب فرنسي أو أميركي يا استاذ انطوان بعد مئة سنة، فيظهر الجنرال ديغول، او جورج واشنطن، وكأنهما فقط زيرا نساء لا عمل لهما إلا الجنس؟..

فهل مثل هذين الكاتبين ينظر اليهما في فرنسا واميركا على انهما غير هدامين لإيجابيات التراث الفرنسي والأميركي؟..

وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لجأ الأستاذ أنطوان غندور إلى تشويه التراث العربي بمثل هذا التناقض مع وقائع التاريخ؟..

على أية حال فإن مسرحية الشاطر حسن فيها إبداع في النص، رغم مقاتله، وفيها إبداع في الإخراج، رغم بعض الإفتعال في بعض المواقف. وفيها جهد ملحوظ في التمثيل لجميع الممثلين، رغم تفاوت القدرات الواضحة، على إن هذا كله، أضاف إليه نبيه أبو الحسن شحنات دافقة من عبقريته في التمثيل فغطى الكثير من المقاتل، ومن الإفتعال، ومن التفاوت، فأمسك بعواطف الجمهور، وأكفه طوال ساعتين كاملتين..

العرب وإسرائيل والقنبلة الذرية

Posted on Updated on

بيروت المساء- ببساطة .
الجمعة ٦ كانون الأول ١٩٧٤

أمين الأعور

لأن رئيس إسرائيل عالم فيزيائي، ولأن كلامه حول شؤون الذرة يتخذ طابعا معينا من الجدية، فإن تصريحاته حول احتمالات إمتلاك إسرائيل للقنبلة الذرية، تعبر عن تهديد جدي للعرب، لا يوقف مفعوله إلا إقدام عربي على إمتلاك السلاح النووي بغير تأخير..

الفريق سعد الدين الشاذلي، كشف في لندن، عن حقيقة إن مصر قادرة على صنع قنبلة ذرية بما تحت يدها من وسائل جاهزة للإستعمال. وترك مهمة الإستنتاج للناس بأن عدم إمتلاك السلاح النووي هو نتيجة عدم إتخاذ القرار السياسي حتى الآن..

هذا التصريح يذكرنا بأن أي سلطة عربية لم يصدر عنها أي تصريح حول نواياها الذرية، إلا سلطة ثورة القومية العربية في الجمهورية العربية الليبية. فقد سبق للقذافي أن صرح علانية بنية الثورة الحاسمة تجاه تحقيق الوحدة، وتجاه جعل دولة الوحدة دولة ذرية..

غير إن الوضع تطور الآن، بعد تصريح رئيس إسرائيل، وأصبح من واجب الثورة أن تفكر جديا بإتخاذ قرار سري، وبذل مساع سرية، لمقابلة إسرائيل في اليوم الثاني الذي تفاجئ فيه العالم بقنبلتها الذرية، بمفاجأتها بإمتلاك الثورة لسلاح ذري مواز وموازن..

لقد سبق لثورة الفاتح أن اخترقت نطاق التوازن الدولي في إعلانها الثورة النفطية التي لم يمض عليها إلا عدة سنوات قليلة حتى شملت عالم النفط من أقصاه إلى أدناه..

ولعل في الطموح إلى إمتلاك ثورة الفاتح السلاح الذري طموحا إلى تحقيق هدفين إثنين هما:

  1. فرض حذر مواجهة ذرية على إسرائيل، وبذلك تتعطل أحلامها في التفوق على العرب بإمتلاكها قنبلة ذرية..
  2. توظيف ما يؤججه مثل هذا الحدث من مشاعر قومية في الوطن العربي كافة، لصالح تفجير عصر تحقيق الوحدة، ورفع شعار تحرير فلسطين فوق الأعلام الوحدوية الخفاقة..

عيد استقلال لبنان وموقف أميركا منه

Posted on Updated on

بيروت المساء-ببساطة.
الجمعة ٢٢ تشرين الثاني ١٩٧٤

أمين الأعور

قبل عيد استقلال لبنان بأيام قليلة، كان رئيس الجمهورية اللبنانية، يمثل الدول العربية كافة في هيئة الأمم المتحدة، ويتلو كلمتها الرسمية في الندوة الدولية بصدد قضية فلسطين. الأمر الذي يبدو إنه أفجع الخارجية الأميركية التي أرسلت أبلغ سفرائها معرفة بتدبير المهالك والمقالب ليعمل على الأراضي اللبنانية ضمن خطة إيقاع الصدام المسلح بين الأخوة اللبنانيين والفلسطينيين، وقيل من عدة مصادر إن السفير المذكور كان على صلات مشبوهة جدا مع عناصر عدة..

لهذا كان تضامن الرئيس اللبناني مع قرار الإعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية في مؤتمر الرباط مثار حنق وإنزعاج كما يبدو في الخارجية الأميركية. وعليه فقد رفض هنري كيسنجر كما تقول المصادر، اجتماعا مع وزير خارجية لبنان، كما إن أي مسؤول أميركي لم يحضر استقبال الرئيس اللبناني، الأمر الذي جعل الرئيس يرفض إقتراحا أميركيا بالإجتماع بالرئيس فورد..

هذا الحادث مع إنه اتخذ مساره نحو الحصر في أضيق نطاق دبلوماسي ممكن، إلا إنه بالنسبة للبنان يعني الشيء الكثير. ويزداد تعبيره مع إعلانه في أسبوع الإحتفال بعيد الاستقلال، وإن كان الإعلان قد جاء بشكل خبر في صحيفة يومية. فأميركا تريد هذا البلد مقرا أو ممرا لاستعمارها بإتجاه البلاد العربية. لذلك كان مسئولوها الكبار والصغار يتهافتون على استقبال كميل شمعون خلال مدة رئاسته، وهو بدوره أعطى الأميركيين فرصة العمر حين دعاهم بصفته الرسمية إلى إنزال قوات عسكرية في البلد عام ١٩٥٨..

أما اليوم فلأن الرئيس فرنجية اعترف بمنظمة التحرير، وزار الولايات المتحدة ليقول كلمة العرب في الدفاع عن قضية فلسطين، فإن واشنطن تعمدت إظهار استيائها باللامبالاة الوقحة بزيارته..

إننا نحيي رفض الرئيس فرنجية الاجتماع بالرئيس فورد، ونطلب إيضاح المسألة رسميا، لا صحفيا فقط، للشعب، كما نطلب من الحكومة أن تبادر فورا إلى طلب سحب السفير الأميركي من بيروت بعد هذه الحادثة..

دراسة ٩: محنة الناصرية في مصر متى تعبر الصداقة العربية السوفياتية مضيق الجدلية المادية إلى بحر الجدلية القومية المعبرة علميا عن وقائع الحياة المعاصرة؟

Posted on Updated on

بيروت المساء-دراسة.
الجمعة ٢٢ تشرين الثاني ١٩٧٤

أمين الأعور

قد يقلب الكثيرون شفاههم متصورين إننا نطلب المستحيل حين نرفع شعار خروج الصداقة العربية السوفياتية من قوالب فكر الجدلية المادية التي تحكمها، إلى رحاب الجدلية القومية التي أثبتت تجربة العقدين الماضيين إنها قادرة على تخليص هذه الصداقة من حقل الألغام كلما اشتطت في السير عبر مسالكه الفلسفية المادية المعقدة..

وقد يقول الكثيرون: ما هي الجدلية القومية أولا، وقبل كل شيء؟..

إن الجدلية القومية هي التعبير العلمي العملي عن قدرة وسائل حضارة العصر، على بناء الدولة المعاصرة..

هذه القدرة معبر عنها ببناء الدولة القومية أو بإمكانية بنائها خلال هذه المرحلة من تاريخ الإنسان على الأرض. وعليه لا يمكن أن نعطي العصر وصفا علميا أدق من صفة عصر القوميات المرصودة آفاقه المنظورة في ميثاق الأمم المتحدة..

أما الحركة الحضارية المعاصرة، فيستحيل رصدها بأساليب موضوعية إلا إذا انطلقنا من مقاييس ومعايير جدل القوميات دون غيرها..

لقد تقدم عصر الصناعة بدول أوروبا من عهد الدولة الدينية، إلى عهد الدولة القومية فمالت هذه الدولة مع الآلة البخارية إلى العدوانية الإستعمارية. ثم اشتطت في ذلك حتى بلغت ذروة عدوانيتها واستعماريتها مع الآلة النفطية. وبدأ تراجع العدوانية والإستعمارية من الدولة القومية مع بدء عهد الآلة الذرية، وسيستمر التراجع مع تقدم عهد هذه الآلة الأخيرة، حتى ينتفي..

الذي أراده ماركس هو نفي النقيض بنقيضه من خلال قانون “نفي النفي”، أي نفي الدولة القومية التي كانت في عهده عدوانية دائما واستعمارية دائما، بالدولة الأممية التي تسود فيها الغالبية على الأقلية ضمن قوانين الجدلية المادية ومعطياتها..

لكن التجربة بينت إن قوانين الجدلية المادية اصطدمت خلال التطبيق بقدرة وسائل الحضارة على الاحتمال من ناحية، وعلى العطاء من ناحية ثانية…

أية تجربة؟..

تجربة بناء العالم الشيوعي، فوسائل الحضارة المعاصرة غير قابلة لتطبيق الجدلية المادية ودمج الصين والاتحاد السوفياتي، ودول أوروبا الشرقية، في دولة واحدة مثلا. ولذلك لم يكن ثمة من مناص أمام الفرقاء من أحد أمرين: فإما الإعتراف بالجدلية القومية والتعامل على أساسها. وإما التشبث بالجدلية المادية والإختلاف على أساسها؟..

كيف؟:

المسألة لم تعد معقدة، فالصين بعد انتصار الثورة الشيوعية فيها، كانت أمام التملص من عقبات التخلف، ودخول عصر التصنيع تقف عند احتمالين: الدخول في وحدة دستورية كاملة مع الاتحاد السوفياتي وتشكيل دولة واحدة كما تفرض أبعاد الجدلية المادية وقوانينها. أو الإنسجام مع قدرة وسائل الحضارة على الإحتمال والعطاء والسير نحو التقدم بالدولة الصينية المكونة تاريخيا عبر البرمجة نحو دخول عصر الصناعة بالقدرة الذاتية والمساعدات السوفياتية..

أما القدرة الذاتية، فكانت محكومة بقوانين الجدلية القومية لا الجدلية المادية، وكذلك المساعدات السوفياتية، إذ لا يمكن أن تساند الدولة السوفياتية غيرها بأحجام تؤثر سلبيا في مشاريعها على أرضها وضمن حدودها القومية. ولا يمكن أن تقولب الصين برامجها على أساس فائض الطاقة السوفياتية فقط..

هكذا وجد السوفيات إن المصلحة العليا لدولتهم تقتضي عدم منح الصين أسرار القنبلة الذرية. ووجد الصينيون المصلحة العليا لدولتهم تقتضي امتلاك القنبلة الذرية. اضافة إلى ذلك وجد الصينيون إن من حقهم المطالبة بالأراضي التي ضمها القياصرة لإمبراطوريتهم، فاعتبر السوفيات ذلك شيئا خطيرا لأنهم أقروا في دستورهم حدود الاتحاد السوفياتي على نفس خطوط حدود امبراطورية القياصرة. واعتبر الصينيون إن حدود دولتهم هي حدود دولة الأباطرة الصينيين. فوقع الخلاف..

من هذه الحقائق المجردة المبسطة نجد إن كل ما اريق من حبر وورق عن إن الخلاف الصيني السوفياتي انطلق من قوانين الجدلية المادية وحول تفسيراتها ليس على تماس مع الوقائع الملموسة للحياة بل إنه ذر للرماد فوق هذه الوقائع. فالخلاف نبع من قوانين الجدلية القومية، وبني عليها، ولو حدث أو اعترف الفريقان بهذه القوانين، وهذه الجدلية، لما كبر بينهما الخلاف إلى هذا الحد، ويمكن القول إن الإصرار على اعتبار الخلاف جدليا ماديا سيوصل الدولتين إلى حافة الحرب. بينما الإعتراف بأن الخلاف جدلي قومي سيدخل الدولتين في مفاوضات حقيقية حول الخلاف الحقيقي، فيبعدهما عن الوصول إلى حافة الحرب، ويقربهما من حافة التحالف والاتفاق.

ما هو الدليل؟:

الدليل إن الاتحاد السوفياتي حين تقدمت سياسته من مضيق الجدلية المادية إلى بحر الجدلية القومية أمكنه أن يجري تماسا إيجابيا مع الولايات المتحدة ويضع حدا للحرب الباردة بينه وبينها..

ومثل هذا فعلته الصين بالنسبة لأميركا..

فهل الخلاف بين موسكو وبكين أعمق مما هو بين موسكو وواشنطن؟…

وهل الخلاف بين بكين وموسكو أعمق مما هو بين بكين وواشنطن؟..

الظاهر الآن على سطح الحقيقة الملموسة إنه أعمق وليس من سبب يجعله هكذا إلا دوران أوراق حظوظه على دواليب الجدلية المادية. ولو حدث ووضعت هذه الأوراق على دواليب منطق العصر – منطق الجدلية القومية – لاستقامت الأمور، ولتبين لبكين إن العدو الرئيسي لتقدم الصين ليس الاتحاد السوفياتي بل الولايات المتحدة ولتبين لموسكو إن العدو الرئيسي لتقدم الاتحاد السوفياتي ليس بكين بل واشنطن؟..

لماذا أميركا هي العدو الرئيسي؟:

لأن بلوغ الإقتصاد الأميركي الرأسمالي مرحلة الإحتكارات الهائلة جعل من الدولة الأميركية أخطبوطا سياسيا هائلا مهمته خنق فرص نمو الدولة القومية في أي مكان خارج الحدود الأميركية، ومد أصابع الإحتكارات الهائلة إلى هذه الدولة – أية دولة – لتمتص من خيراتها ما تستطيع أن تمتصه..

والواقع إنه إذا كانت الجدلية القومية التي تحكم العصر من خلال ارتباطها بقدرة وسائل الحضارة على الإحتمال والعطاء، تتناقض نظريا مع الجدلية المادية، وتصطدم بها حول هذا التناقض. فإن هذه الجدلية القومية تتناقض مع النظام الأميركي نظريا وعمليا إلى حد التناحر بغير شك. فالعدو الرئيسي في هذا العصر لبناء الدولة القومية المصنعة في العالم الثالث النامي هو الولايات المتحدة بدون جدال..

وإذا كان فقهاء الجدلية المادية الماركسية في موسكو وبكين لم يتعظوا من التجربة، ولم يدركوا إن الأممية التي ينادون بها، هي حلم وليست علما، لأن اللغة، والتاريخ والتراث، والتكون النفسي، ما زالت جميعها ضمن خطوط الجدلية القومية، وما زالت آفاق تطورها ممتدة عبر هذه الخطوط فإن فقهاء النظام الأميركي يدركون طبيعة العصر، ويعملون على صدها وعلى تجميدها أو دحرها إلى الوراء بدأب لا مثيل له، وبتخطيط ليس أخبث منه..

على هذا يصح أن ننظر إلى الأمر بعمق لنكتشف حقيقة إن الجدلية المادية حين تنظر بهلع إلى الجدلية القومية التي كشفت الثورة العربية عنها بالمعاناة والتجربة وشقت القومية العربية بعض الخطى على طريقها بالبذل والدم والعرق، إنما تفعل ذلك ضد مصلحة السوفيات وضد مصلحة العرب بنفس النسبة.. تفعل ذلك وهي تتصور إنها تمهد الأرض للثورة البروليتارية في هذه الدولة العربية أو تلك لكنها في الحقيقة تخدم الثورة المعاكسة المعبرة عن أهداف أميركا وتطلعاتها.. لذلك نرى التقدم والتراجع عبر الحيرة كانت طوال العشرين سنة الماضية ميزة السياسة السوفياتية في الشرق الأوسط، حتى لكأن هذه السياسة مصابة بالرمد إصابة دائمة.. فهي حين تتراجع تجد إن الولايات المتحدة هي المستفيدة وليست الأحزاب الشيوعية.. فإلى متى يمكن أن تستمر السياسة السوفياتية أسيرة قوالب الجدلية المادية الجامدة؟..

لنقف هنا بالتأمل في مرحلة ما بعد عبد الناصر، كتجربة للسوفيات والعرب معا..

لقد أثبتت تجربة السنوات الأربع الماضية إن الخطط الأميركية التي أفشلها عبد الناصر في الخمسينات، ما زالت في الأدراج، وإنها قد أخرجت ونفض عنها الغبار، وأعدت قيد إعادة الدراسة فور رحيله، وإنها وضعت قيد العمل ونفذت إحدى حلقاتها في ١٥ مايو (أيار) عام ١٩٧١. ثم بدأت البقية تترى..

ولكن ما هي التطورات التي طرأت على هذه الخطط؟..

بعد الخلاف الصيني السوفياتي باتت الخطط الأميركية تعتبر إن الاتحاد السوفياتي مطوق من الخلف تلقائيا. وتلقائيا يطوقه الحلف الأطلسي من الأمام..

إذن ليس هناك لاكتمال التطويق سوى عبور الوطن العربي إلى أفريقيا، بحيث يمكن جذب أكثرية دول العالم الثالث وتنظيمها في أحلاف أو في إتفاقات ثنائية أو بأي شكل ممكن كي يصبح السوفيات معزولين ليس أمامهم سوى التنازل، والتنازل، والتنازل، من خلال مبدأ الوفاق، أو معاناة العزلة الحقيقية ومواجهة الحرب الباردة من جديد بشكل أعنف وأكثر خطرا من الماضي..

إن المدخل الجدي إلى هذا الميدان هو إسقاط الثورة العربية، بتوفير الشرط اللازم لهذا الإسقاط وهو إيقاع الصلح بين العرب وإسرائيل..

لقد فتحت أميركا هذا المدخل بعد الحرب الرابعة فكرست مبدأ التماس الثنائي بين الحكومتين المصرية والإسرائيلية. كما كرست في الوقت نفسه مبدأ الطعن في الوحدة العربية بواسطة عملائها في أجهزة الإعلام المصرية وعلى رأسهم علي ومصطفى أمين وبالإضافة إلى هذا كله كرست مبدأ تدخل السياسة السعودية في الشؤون المصرية المتعلقة بشعارات الثورة القومية “الحرية والاشتراكية والوحدة”..

فماذا كان ذلك يعني في عمق الأشياء؟..

لقد رافقت ذلك بادرة إصابة الصداقة العربية السوفياتية بشبه شلل جزئي فباتت كلمتها منخفضة النبرة وباتت يدها فجأة أقصر من اليد الأميركية بما لا يقاس. وبات الأمر يحتاج إلى إعادة دراسة وإعادة تقييم، وإلى تعيين أخطاء وتجنب أخطاء..

لقد بحثت موسكو عن منفذ، وأقدمت على خطوة الإعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب العربي الفلسطيني، فساهمت بذلك في تعقيد الخطوات الأميركية السعودية في مصر، وأدى هذا التعقيد، مع مبادرة فرنسا للإعتراف بالمنظمة، إلى تقوية الموقف المعادي لأميركا داخل الوطن العربي، فتحتم على مؤتمر قمة الرباط الإعتراف بالمنظمة، وتحتم على الملك حسين أن يبتعد مضطرا عن تمثيل الفلسطينيين، الأمر الذي أربك الخطط الأميركية..

لكن الإرتباك سيكون وقتيا، وسيجد له فقهاء وزارة الخارجية الأميركية الحلول إذا تجمد الموقف السوفياتي عند هذا الحد..

لنبسط الأمر قليلا:

إن من يدرس أوراق إضبارة زيارات كيسنجر للقاهرة بالدقة اللازمة يستنتج ولا شك بأن خطر وقوع هذه المنطقة في قبضة النفوذ الأميركي مرتبط بالصلح بين العرب وإسرائيل على أساس الإعتراف للصهيونية بإغتصاب فلسطين، أو بعض فلسطين، لا فرق، لأن مثل هذا الصلح، وهذا الإعتراف هو المقدمة اللازمة لدفن إمكانيات الوحدة العربية حتى نهايات هذا القرن..

هذان الخطران، مرتبطان عضويا، بالنسبة للسوفيات، بخطر تطويق الإتحاد السوفياتي وعزله ومن ثم إضعافه وجعل منافذ الريح الصرصر موجودة مهيأة للعصف في داخله..

والعكس ينتج العكس..

وعليه، فمن الضروري أن يكون إعتراف موسكو بمنظمة التحرير الفلسطينية مقدمة لخطوات أخرى، وإلا فإنه يتخذ طابعا تكتيكيا يمكن للولايات المتحدة أن تتغلب عليه في النهاية..

ما هي طبيعة هذه الخطوات الأخرى؟..

إن الإعتراف بمنظمة التحرير نقض لائحة كاملة من التبريرات الفقهية الماركسية التي توالت منذ عام ١٩٤٨، حتى العام المنصرم لتبرير إعتراف الإتحاد السوفياتي بإسرائيل ولتبرير قيام إسرائيل على إغتصاب الحقوق الطبيعية لشعب فلسطين في فلسطين، وقد كانت لائحة رسالة فقهاء الماركسية إلى الحزب الشيوعي السوري في العام المنصرم آخر ورقة في ملف هذه التبريرات..

هذا النقض الذي أقدمت عليه السياسة السوفياتية لمقولات الفقهاء ليس جديدا. فمنذ الحرب العالمية الثانية تقدمت القرارات السياسية في موسكو على التبريرات الفلسفية الأيديولوجية حتى بات شغل الفلاسفة الماركسيين الإجتهاد لتبرير القرار السياسي، لا التمهيد لصنعه، ولا اكتشاف طريق صنعه سلفا..

من هنا يصح القول إن موسكو مدعوة لإتباع قرار الإعتراف بالمنظمة، بإعتراف سياسي وفكري بالقومية العربية وبالثورة العربية وبحق هذه الثورة في الدعوة للوحدة وفي إقامة الوحدة. وإتباع ذلك بمعاملة إسرائيل مثل روديسيا وجنوب أفريقيا وسحب الإعتراف، وتحريم الهجرة إليها على اليهود السوفيات..

إن التقدم على مثل هذا الخط الموضوعي يخرج الصداقة العربية السوفياتية من خليج الجدلية المادية المليء بالألغام الموقوتة ويدخلها في بحر الجدلية القومية، تسبح فيه عبر مناخات صحية تثبت العلاقات المتكافئة بين الثورة العربية والثورة السوفياتية، وتجمد الخلافات المذهبية بينهما عند نقطة الممارسة الفعلية لمبدأ عدم تدخل الواحدة في شؤون الأخرى..

ولعل المرء يقرر الحقيقة عندما يحدس بأن السياسة السوفياتية ستجد نفسها أمام إتخاذ مثل هذه القرارات بغير مناص خلال السنوات الخمس المقبلة عملا بمبدأ إبعاد شبح التطويق والعزلة عن الدولة السوفياتية..

فهل سيكون خروج هذه القرارات بعمليات قيصرية لولادة كل قرار كما حدث لقرار الإعتراف بمنظمة التحرير، أم ينفسح مجال الولادة الطبيعية بعد كل هذه التجارب المعبرة؟..

ليس السوفيات وحدهم هم الذين يستطيعون تقرير ذلك، بل إن الجانب العربي هو الذي يستطيع التقرير، خاصة مصر، والتحرك السياسي والإجتماعي فيها. وهذا ما أوجب مناقشة ورقة الرئيس السادات لتطوير الإتحاد الإشتراكي بمثل هذه الإستفاضة..

 

“للبحث صلة”